الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

تركيــــا.. الصعود إلى الهاوية

خطوات متسارعة اتخذتها تركيا خلال الفترة الأخيرة؛ طلبًا للدعم المالى العاجل من بعض الدول؛ بهدف الحفاظ على قيمة عملتها المحلية (الليرة) والتى دخلت موجة ثانية من الانهيار، وسط تراجع احتياطيات البنك المركزى الذى يحاول جاهدًا تدبير مبالغ طائلة؛ لسداد ديون أنقرة العاجلة والتى تقدّر بنحو 160 مليار دولار.



 

وتأتى هذه التطورات من جانب الإدارة التركية وسط تراجع غير مسبوق لصادرات البلاد بنحو 40 %، وخسارة إيرادات من السياحة وصلت إلى 32 مليار دولار؛ نتيجة تداعيات أزمة فيروس كورونا المستجد، وهو ما وضع النظام الاقتصادى فى البلاد أمام كارثة اقتصادية خانقة، نتيجة السياسة الفاشلة لحزب العدالة والتنمية، برئاسة رجب طيب إردوغان.

 

 

تمويل عاجل

 

 

يأتى ذلك فى الوقت الذى تعالت فيه الأصوات العميلة للمشروع التركى فى المنطقة بانتقاد لجوء مصر إلى صندوق النقد الدولي؛ لتدبير تمويل لمواجهة تداعيات فيروس كورونا المستجد، ليقع نبأ طلب أنقرة تمويلًا عاجلًا ومُلحًا من بعض البلدان، كالصاعقة على هؤلاء الذين طالموا تفاخروا بالقدرة الاقتصادية لـ«نظام الأغا»، وقد بدأ الأمر بحديث مسئولين أتراك كبار بأن الحكومة طلبت مساعدة الحلفاء الأجانب فى مسعى عاجل لتدبير التمويل اللازم، إذ تستعد أنقرة لمواجهة ما يخشاه محللون من أنها ستكون أزمة ثانية للعملة المحلية خلال عامين، مؤكدين أن مسئولى الخزانة والبنك المركزى أجروا محادثات ثنائية فى الأيام الأخيرة مع نظرائهم فى اليابان وبريطانيا بشأن إنشاء خطوط مبادلة عملة، ومع قطر والصين بشأن زيادة حجم تسهيلات قائمة، ثم ما لبث أن أصبحت هذه المطالب فى العلن، بعدما اعترف جودت يلمظ، نائب رئيس حزب العدالة والتنمية الحاكم للشئون الخارجية، بأن بلاده تسعى لاتفاقات مُبادلة، وأفاد بأن أنقرة «تجرى مفاوضات مع بنوك مركزية مختلفة بشأن فرص المبادلات»، مضيفًا: «ليست الولايات المتحدة فحسب، بل هناك دول أخرى أيضًا».

 

وتراجعت الصادرات التركية بنسبة 41% سنويًا فى أبريل، بينما انخفضت الواردات بنسبة 28%، وتراجعت الثقة الاقتصادية الشهر الماضى إلى أدنى مستوى لها على الإطلاق وسط توقف شبه تام لقطاع السياحة الذى كان يُدر نحو 32 مليار دولار لخزانة الدولة.

 

 

عجز الموازنة

 

 

ولم تتوقف أزمة تركيا المالية على نقص النقد الأجنبى فى البلاد وزيادة أعباء الديون الخارجية، بل إن المشكلة أكبر وأعمق من ذلك حيث إنها باتت تمس كل مناحى الدورة الاقتصادية التركية، بعدما سجلت ميزانية البلاد عجزًا غير مسبوق خلخلت أركان تركيا فى الآونة الأخيرة، لتخرج وزارة المالية وتقول إن عجز ميزانية البلاد سجل 43.2 مليار ليرة فى أبريل الماضى بارتفاع 135.8% على أساس سنوى. 

 

وكشفت البيانات أن الحساب الأولى، الذى يستثنى مدفوعات الفائدة، أظهر عجزًا بقيمة 26.2 مليار ليرة فى أبريل، بعدما سجلت الميزانية التركية عجزًا قدّر بـ 18.3 مليار ليرة فى نفس الشهر من العام الماضى.

 

وكثّفت الخزانة التركية معدلات اقتراضها لمواجهة الضائقة المالية التى تواجهها، فخلال الشهر الماضى اقترضت الخزانة من السوق المحلية 60 مليار ليرة، وخلال الاثنى عشر شهرًا الأخيرة ارتفع العجز النقدى لتركيا إلى 150 مليار ليرة، الأمر الذى جعل الاقتصاد التركى يواجه ركودًا سيكون الثانى له فى أقل من عامين؛ بسبب جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد - 19)، بعد أن خرج من ركوده الأول فى النصف الثانى من 2019، ليسارع نظام أردوغان خلال العام المنقضى إلى ضم بعض الأوقاف لوزارة الخزانة؛ لسد العجز المتفاقم فى موازنة الدولة والذى تخطى حاجز الـ100 مليار ليرة خلال العام المنصرم.

 

بدوره، كشف نائب رئيس حزب الشعب الجمهورى المعارض، فائق أوزتراك، عن وجود عملية ممنهجة لضم بنك الوقف إلى وزارة الخزانة والمالية، بقيادة بيرات البيرق، صهر رئيس الجمهورية الحالى، ومن ثم ضمها إلى صندوق الأصول الذى يترأسه مباشرة الرئيس التركى رجب طيب إردوغان.

 

وقال أوزتراك، الناطق باسم الحزب المعارض، إن الدور قد حل على بنك الوقف عقب بنكى الزراعة والشعب، مؤكدًا نقل أسهم لبنك الوقف تزيد قيمتها على 400 مليون ليرة إلى وزارة الخزانة والمالية، فيما يبدو أنها خطوة لدعم الموازنة العامة للدولة التى تعانى عجزًا يفوق 100 مليار ليرة.

 

 

استمرار نزيف الليرة

 

 

وتعانى الليرة التركية، منذ وقت بعيد، من سياسة التخبط السياسى والاقتصادى الذى ينتهجها نظام العثمانيين الجدد، لتنعكس على سعرها الذى دخل فى دوامة تدهور سريعة فى أعقاب أزمة الفيروس القاتل، ذلك بعد أن سجلت الليرة التركية مستوى قياسيًا منخفضًا وصل إلى 6.79 ليرة مقابل الدولار الواحد مقابل 5.94 نهاية يناير الماضى وهو ما يعنى أنها فقدت نحو 14% من قيمتها.

 

وتعد ضعف الليرة التركية معضلة أمام صانعى السياسة النقدية؛ نظرًا لأنه يحد من قدرة أنقرة على معالجة بواعث القلق حيال احتياطياتها الأجنبية الآخذة فى التناقص، إضافة إلى عبء ديونها الضخم، لاسيما جفاف موارد النقد الأجنبى لديها.

 

وعلى الرغم من ذلك، لا تزال حكومة أنقرة تزعم أن احتياطياتها من النقد الأجنبى ملائمة، حيث ألقى الرئيس التركى باللوم فى تراجع الليرة على «أولئك الذين يحسبون أن بوسعهم تدمير اقتصادنا وتكبيل أقدامنا وحصارنا باستخدام مؤسسات مالية فى الخارج».

 

وتراجع الاحتياطى النقدى لدى البنك المركزى التركى بعد تبخّر نحو 20 مليار دولار دفعة واحدة فى مارس الماضى، وهو ما دفع «المركزى التركى» إلى تعزيز احتياطياته من العملات الأجنبية بمليارات الدولارات عبر الاقتراض قصير الأجل، وليس عبر تراكم الدولارات، ويكشف البنك المركزى أبريل الماضى عن أن صافى الاحتياطيات الدولية هبط إلى 25.9 مليار دولار من أكثر من 40 مليار دولار فى بداية العام.

 

قطر.. والنجدة بالشريك المخالف!

 

لعل كل الأرقام السلبية التى حققها الاقتصاد التركى خلال الفترة الماضية، هو ما دفع الحكومة التركية إلى طلب الدعم المالى من بعض الدول وعلى رأسها قطر لإنقاذ اقتصاد البلاد من الانهيار المحتوم، وهو ما كشفه البنك المركزى التركى قبل أيام، بأنه تم رفع قيمة المقايضة المالية الموقعة مع نظيره القطرى قبل عامين إلى ثلاثة أضعاف ما كانت عليه ضمن حلول تلجأ إليها أنقرة لإنقاذ اقتصادها من أزمة ديون باتت قريبة.

 

وقال البنك إنه تم تعديل اتفاقية المقايضة المالية المُبرمة فى 17 أغسطس من العام 2018 مع نظيره القطرى ورفع قيمة المقايضة بما يعادل 5 مليارات دولار، و15 مليارًا من الليرة والريال القطري؛ مفيدًا بأن الهدف الأساسى من اتفاقية المقايضة المالية هو تسهيل التجارة بالعملات المحلية ودعم الاستقرار المالى للدولتين، وذلك فى ظل أنباء عن رفض البنك الفيدرالى الأمريكى المقايضة مع «المركزى التركى»؛ بسبب أزمة ثقة فى سياسات الأخير، بفعل أردوغان الذى يفرض هيمنة كبيرة على قرارات البنك.

 

الديون الخارجية وأزمة الثقة

 

وتعد أزمة ضخامة الديون الخارجية قصيرة الأجل على تركيا السبب الرئيسى والمباشر فى كل هذا التخبط الذى تعانيه أنقرة، حيث تبحث حكومة الأغا العثمانى عن حلول لتوفير 168.5 مليار دولار أمريكي؛ لسد ديونها الخارجية حتى شهر فبراير 2021، نصفها على الأقل من المقرر سدادها خلال أغسطس المقبل، فيما يبلغ إجمالى ديون تركيا الخارجية 1.4 تريليون ليرة تركية (225.8 مليار دولار) حتى نهاية فبراير الماضى، لتبدأ تركيا، مؤخرًا، فى التفاوض مع حكومات دول مجموعة العشرين وفى مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، للدخول فى مفاوضات المقايضة (Swap) منذ 10 أبريل دون أن تتوصل إلى أى حلول.

 

صحفيًا، سلّطت صحيفة فاينننشال تايمز البريطانية الضوء على ما تعانيه أنقرة من أزمة اقتصادية طاحنة، مؤكدة أن السبب الرئيسى وراء رفض البنك الفيدرالى الأمريكى الدخول فى مفاوضات المقايضة مع المركزى التركى، هو أن رئيس البلاد رجب طيب أردوغان يتدخل بشكل مستمر فى سياسات البنك المركزى التركى.

 

وأشارت الصحيفة البريطانية إلى أن مسئولى حكومة حزب العدالة والتنمية، وعلى رأسهم أردوغان، يرفضون اللجوء إلى صندوق النقد الدولى للحصول على قروض لتمويل الخزانة، بينما اتجهوا إلى مفاوضات مع البنوك المركزية لعدة دول فى محاولة لتخفيف حدة الأزمة، لكن دون جدوى.

 

وأوضح رئيس البنك الفيدرالى الأمريكى توماس باركين أن إضافة أى من الدول إلى نظام المقايضة مرتبط بالثقة المتبادلة بين الطرفين، فى الوقت الذى فتح فيه البنك الأمريكى خطوط تفاوض (Swap) مع 14 دولة حول العالم من بينها البرازيل، المكسيك، كوريا الجنوبية، وسنغافورة، إلا أنه رفض التفاوض مع كل من تركيا وجنوب أفريقيا ونيجيريا وإندونيسيا.

 

وذهبت الصحيفة إلى أن أنقرة ستكون أكثر الدول النامية مواجهة للصعوبات الاقتصادية هذا العام، مع وجود أرقام ضخمة من الديون الخارجية وأذون الخزانة فى ظل تبخر 20 مليار دولار أمريكى من احتياطات النقد الأجنبى لدى المركزى التركى خلال أزمة كورونا التى ما زالت أصداء ضحاياها تئن فى بلاد العالم، وكان تأثيرها مضاعفًا فى تركيا التى باتت تعانى من كوابيس الهزة الاقتصادية الضخمة. 