الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

تصوُّر منقوص للمستقبل

مسلسل (النهاية) مبنىّ على فكرة جيدة.. عن قرب انتهاء العالم بعد مائة عام وجهود مهندس الطاقة «زين»، الواحة وشركة «انجريكو»، وما يسمى بالتكتل بعيدًا عن شكل الدولة.. تصور لمستقبل مبنىّ على بعض المعلومات التى ينقصها العلم الدقيق، الحوار والتعليق مكتوبان بلغة آنية وبعامية مصرية.. الحوار بالغ السوء وخَلل السرد وتشوش الأفكار أفسدت فكرة طموحة لنجم العمل. 



 

ذات مرّة أخبرنى المخرج «توفيق صالح» فى حوار معه أن «بيرم التونسى هو من قام بتأليف ما نعرفه باللهجة البدوية، وحين ألّف الحوار لكوكا وأجادت التحدث به أصبح كل من يتناول شخصية بدوية فى أفلام عنتر وخلافه يعتبره مرجعًا».. أنّى لنا من بيرم تونسى جديد يؤلف حوارًا يتحدث به الناس بعد مائة عام ويقنعنا بذلك؟. هناك محاولة لتصور الأماكن والديكورات، شكل المنازل والملابس، باستفادة من أعمال أجنبية كثيرة تناولت المستقبل فى أفلام أو مسلسلات ولم يجد مؤلف العمل مرجعًا يعتمد عليه فى الحوار ولم يكلف نفسه بمحاولة ابتكار، فجعلهم يتحدثون لغتنا الحالية قبل مائة عام من أحداث العمل رُغم شيوع معرفتنا بتطور اللغات الحية وتغير مفرداتها كل عشرين عامًا على الأقل. 

 

هناك محاولة شكلية لتصور مظهر إنسان المستقبل، وكيف يتعامل ببديل كامل عن النقود، وكيف يدار العالم الذى انقسم بعد حرب ما إلى منطقة شرقية وأخرى غربية، كما يمكن أن نتصور وجود «الواحة» التى تشبه «كومباوند» تحت سيطرة شركة ما، تسعى لإنقاذ نفسها ومجموعة مختارة من البشر لهم صفات نافعة.. ولكن صراع الدراما لا يقوم على مجموعة خيرة وأخرى شريرة، بل يتركز فقط فى «زين» المهندس الخيّر الذى يتحرك بمفرده فى مواجهة كل الأشرار على اختلافهم، وشرير آخر هو «زين» الروبوت، قرينه المختلف عنه بلا سبب مفهوم لى. 

 

ليست مشكلتى الاقتباس عن أعمال سابقة أمريكية أو هندية، ولكن المهم أن يتم ذلك فى سياق مقنع يمكن تصديقه والتفاعل معه.. نجد أيضًا محاولة لتسييس العمل بإلباس «عزيز» الكوفية الفلسطينية وجعله المدرك الوحيد لكيفية إنقاذ العالم، ولكن تحرير القدس نتج عنه هذا النظام القمعى البشع الذى يحارب التعلم فى المقام الأول ويستخدم التنصت والحبس والتعذيب فى حُكمه للمنطقة الشرقية.

 

لا يظهر أى توجيه من المخرج للممثلين، وكل منهم يجتهد حسب فهمه للعمل وحسب خبرته السابقة، كل ما يقوم  به المخرج «ياسر سامى» فى عمله الدرامى الثانى أقرب إلى تجهيز أماكن التصوير وإظهار البراعة فى الحيل والتحديث المميكن، وهو نجاح يُنسَب لمصمم الإنتاج. بينما «سامى» لم يقم بدور فى قيادة الممثل ولا فى عمله الأساسى فى البدء بسيناريو مكتوب بحرفة عالية وفهْم لما هو مستقبلى، لم يهتم المخرج بأن تظهر ردود أفعال الشخصيات متماشية مع إنسان ما بعد حرب كبرى ومع عالم مختلف وجديد.. هناك خطوط تترك مُعلقة ولكى تُحل يلجأ إلى الميثولوجيا الدينية فيدخلنا فى أفكار المهدى المنتظر والمسيخ الدجال، دخول متأخر كان يمكنه البدء به لكى يقدم عملًا من تراثنا الفكرى.  الطموح وحده لا يكفى، وكان من الأجدَى أن يرعى الفكرة «دراماتورج» خبير فى صياغة الأفكار، وأن يعهد لشاعر له قدرة على تصوُّر حوار محتمل بعد مائة عام، وأن تتم مراجعة تاريخية لتنبؤات المستقبل السياسى للأرض  لكى يتحقق الطموح. 

 

وأخيرًا، لمن يتوجه العمل؟، الكبار ممن يمتلكون رؤية سياسية وتصوُّرًا اجتماعيّا مستقبليّا لا يجذبهم الشكل الفنى المختار، والشباب يتابعون الأعمال العالمية المبهرة شكلا والمقنعة سردًا، القوى منها والمتوسط، البعض منهم انبهر بمقدمة العمل وفرحوا بما أسموه أول عمل خيال علمى عربى، ولكن صدمهم التشوش وضعف الاقتباس، هذا الانفصام فى الشخصية داخل العمل وخارجه عامل منفر أبعد المتابعين الذين تناقصوا تدريجيّا مع كل حلقة لا تأتى لهم بجديد أو ممتع.  

 

جهود مهدرة فى (النهاية)؛ لأن النجم تملّكه الغرورُ فمضى فى «سكة اللى يروح ما يرجعش»، وكرّر مأساة نجوم غيره تصوروا أنهم وحدهم قادرون على إنجاز عمل كبير دون فريق متخصص فى كل فرع من فروع العمل الفنى.>