الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

نهاية عصر الكوميديا.. أو بدايته

يقولون دائمًا إن الشيطان يكمن فى التفاصيل، وأقول إن شيطان الدراما يكمن فى التعاقدات، أو فيما نعتقد أنها تعاقدات. مثلا، يؤمن غالبية صناع الدراما - وجمهورها للأسف - أن الكوميديا تعاقد بالإضحاك، يسمح لصناع العمل بفعل أى شىء، طالما كانت النتيجة مضحكة للمُشاهدين.



 

حسنًا، لا أحد يكره الضحك والبهجة، لكن النكتة اللفظية والتعثر الحركى والتنمر وإهانة الآخرين كلها أمور قد تكون أيضًا مضحكة. التعامل مع الكوميديا باعتبارها تساوى الإضحاك فقط كان السبب فى تسلل العناصر السابقة واحدًا تلو الآخر، على استحياء ثم بفظاظة، حتى وصلنا نقطة يكاد يكون لفظ الكوميديا بمعناه النظرى يختلف كليّا عنه بتطبيقه العملى.

 

من أفلام السبعينيات للمقاولات للسينما النظيفة للكوميديا التليفزيونية فى عصر السوشيال ميديا وعالم «ما بعد مسرح مصر»، صارت التغريدات سلاحًا مشهرًا فى وجه كل من يريد أن يلفت نظر صناع «التهريج الدرامى» أن ما يفعلونه يختلف كثيرًا عن الكوميديا. الناس يضحكون والمسلسل يتصدر الترِند كل ليلة، من أنت لتظهر من العدم وتنفى عنه صفة الكوميديا؟!

 

كان الأمر إذن فى حاجة لتزامن قدرى غير مخطط يعيد للأمور نصابها. فى رمضان 2020 فشلت جميع مسلسلات التهريج وتجميع النكات والارتكان إلى خفة ظل الممثلين فشلًا ذريعًا، لم تجد معه كل محاولات التلميع الإلكترونى فى أيام رمضان الأولى قبل تأكد الجميع أن أكثر من ثلثى السفينة صار بالفعل تحت الماء، وفى المقابل صعد منافس غير متوقع، من أكثر نقاط خيالنا بُعدًا عن الإضحاك، ليأتى النجاح الهائل من مخرجة جادة ونجمة اعتادت البكاء والإبكاء ونجم عُرف بالوسامة والموهبة وكل شىء جميل بخلاف خفة الظل ومجموعة من الموهوبين المغمورين.

 

ربما لم يقصد صناع (بـ100 وش) أن يعلنوا موقفًا من الصناعة أو أن يحدثوا ثورة بأى شكل من الأشكال، لكن من قال إن كل حراك مؤثر تاريخيّا كان فعلًا عمديّا؟ صناع العمل الرمضانى الأكثر حضورًا على وسائل التواصل الاجتماعى - حضورًا حقيقيّا باقتباسات ومواقف وشخصيات صارت نماذج كوميدية (ميمات) - لم يرد فى ذهنهم فى الأغلب سوى تقديم عمل طريف بسيط، يخرج بكل صناعه من حصرهم فى حيز الأعمال الجادة. لكن النتيجة كانت خطوة سيكون لها أثر فى آليات صناعة الكوميديا التليفزيونية.

 

على هذا الصعيد يمكن اعتبار (بـ100 وش) علامة فاصلة تُنهى مرحلة وتبدأ أخرى، نجاحها أخبر الجميع - ومعه تعثر المنافسين - أن الكوميديا على طريقة كباريه الإيفيهات، جمع النكات من الإنترنت وتلفيق المواقف والسخريات ومزجها فى كيفما اتفق من دراما لتكون ساحة للكوميديان أن يرتجل فيخرج الجميع سعداء، هو عصر قد ولّى، مرحلة نفدت مصادرها، ولم يعد أمام محترفى الإضحاك إلا خياران: إمّا إعلان وفاة الكوميديا أو العودة للجذور؛ حيث الفكرة فى الفكرة والأصل هو النص.

 

قد لا تكون «كاملة أبو ذكرى» متخصصة فى الكوميديا «وإن قدمت النوع فى بداياتها»، وقد يكون العمل الأول من نوعه للمؤلفين «عمرو الدالى وأحمد وائل»، وقد يكون تعامل «آسر ياسين ونيللى كريم» بجدية مع مواهبهما قد وضعهما فى نقطة بعيدة عن تصوراتنا الأولية عن الإضحاك، لكن كل هذه الحقائق لا تنفى أنه إذا ما صيغ نص متماسك، يروى حكاية لها بناؤها الدرامى ومنطقها القابل للتصديق، لا تتضمن أى اسكتشات محشورة عنوة «وإن طال حلقات الوسط بعض التطويل»، ومُنحت المساحة للمخرج أن يؤدى المهمة النادرة: أن يُخرج، لا أن يصور النجم يلقى بالنكات؛ فإن النتيجة ستكون فى الأغلب ناجحة، أو على الأقل مرشحة للنجاح.

 

بالمناسبة، الارتجال عنصر أساسى فى الكوميديا، ومن العبث تصور تعامُل «أبو ذكرى والدالى ووائل» مع النص باعتباره مقدسًا، بل فى الأغلب قام الممثلون «ومنهم من له خبرات مسرحية واسعة كشريف دسوقى ومحمد عبد العظيم ودنيا ماهر وزينب غريب» بإضافة الكثير لأدوارهم، لكنها إضافة عضوية، وليدة هضمهم لشخصيات مكتوبة بعناية تمنح الممثل مساحة للتخيّل، وليس مجرد نقل إفيه أعجبه أو اختلاق موقف تافه من أجل «الفرش» للنكتة.

 

(بـ100 وش) بدأ رمضان بتوقعات متوسطة، مجرد مسلسل بسيط يسعى لنَيل نصيب من الكعكة؛ ليُنهى الشهر وقد تقدم للصدارة، وأعنى هنا صدارة التأثير، فقد يكون هذا العمل أو ذاك قد نال مشاهدات أكثر، لكن «كاملة أبو ذكرى» ومن معها أحدثوا أثرًا سيبقى، أمّا الزبد فيذهب جفاءً.>