الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

دراما «فقدان الذاكرة»!

لا يكاد يخلو موسم درامى من حالات فقدان الذاكرة، وهو أمر لوحظ بشدة هذا العام، لدرجة أن «تامر حبيب» مؤلف (لعبة النسيان) قارنها فى «تويتة» ضاحكة بانتشار الكورونا!



 

لطالما كانت لعبة فقدان الذاكرة حيلة مضمونة التأثير والنجاح لدى صناع الميلودراما، من أشهر نماذجها فى السينما المصرية «أحمد سالم» فى  (الماضى المجهول)  و«فاتن حمامة» فى (الليلة الأخيرة). ومن اللافت أن المخرج وأستاذ التمثيل «خالد جلال» استخدم حبكة (الليلة الأخيرة) كتكئة أساسية لأحدث مسرحياته (سينما مصر)، حيث تمثل «فاتن حمامة» السينما المصرية، ومصر عموما، التى فقدت ذاكرتها نتيجة المؤامرات والأعداء، وتمثل استعادة الذاكرة هنا نوعا من البعث من سبات الغفلة والنسيان.

 

 

(لعبة النسيان) هو آخر أعمال الممثلة «دينا الشربينى» التى أصبحت بطلة أساسية فى دراما رمضان من خلال مسلسلات (مليكة، زى الشمس ولعبة النسيان)، وتتشابه بطلات الأعمال الثلاثة فى عدة أوجه أهمها هشاشة هذه المرأة وتذبذبها بين القوة والضعف، وترددها بين الخير والشر، حيث يسود الغموض والالتباس وعدم فهم الشخصية، بالرغم من التعاطف معها. من اللافت أيضا وضع أعمال «الشربينى» فى سياق أعمال أخرى مشابهة، مثل (سقوط حر) لـ«نيللى كريم»، أو مقارنتها بأعمال «يسرا» الأخيرة من (فوق مستوى الشبهات) حتى (خيانة عهد)، أو بأعمال «غادة عبدالرازق». وإذا كانت كل من «يسرا» و«غادة» تلعبان أدوار المرأة القوية، المركبة، ذات الأبعاد المتناقضة فى حالة «يسرا»، والمسطحة، ذات البعد الواحد فى حالة «غادة»، فإن «دينا الشربينى» تلعب أدوار نساء أصغر سنا، أكثر قلقا، وأقل ثقة بأنفسهن وعواطفهن وأخلاقهن.

 

هناك صفات أخرى تجمع بطلات الأعمال الثلاثة، وهى الذاكرة المضطربة والشعور الساحق بالذنب نتيجة ارتكاب جريمة لا نعلم، ولا هى تعلم، مدى مسئوليتها عنها، وغالبا تتعلق هذه الجريمة بهوية البطلة نفسها.

 

 فى (مليكة) هى امرأة تتنكر فى هيئة ابنة خالتها، أو العكس. فى (زى الشمس) تعود «نور» إلى مدينتها بعد موت أختها الغامض، وبمرور الأحداث تتكشف أسرار عن علاقتها بالأخت وزوج الأخت. وفى (لعبة النسيان) تفيق «رقية» من حادث سقوط من شرفة لتعلم أن زوجها وحبيبها القديم قتلا بسببها، ولكنها فاقدة للذاكرة التى توقفت عند لحظة معينة منذ سبع سنوات.

 

فى الأعمال الثلاثة تروى الحكاية عن طريق الفلاشباك بشكل رئيسى، وتتبين العلاقات والأسرار تدريجيا عن طريق هذا الحكى المتأرجح طوال الوقت بين الحاضر والماضى.

 

فى (لعبة النسيان)، يصل استخدام الفلاشباك إلى درجة غير مسبوقة فى الدراما، المصرية على الأقل، حيث يتم تركيب السرد كله وفقا لعملية استعادة الشخصية لذاكرتها، ولا تشغل مشاهد الحاضر سوى جزءا صغيرا، وغالبا لا علاقة له بالدراما الرئيسية التى حدثت فى الماضى. بمعنى آخر، الرحلة التى تقطعها البطلة هنا لتعرف، ونعرف معها، هل هى ملاك أم شيطان، تدور بالكامل فى الذاكرة.

 

ولكن ما الغرض من لعبة النسيان والتذكر هذه؟

 

ربما يمكن أن نفهم ما يجرى بشكل أفضل لو نظرنا إلى وظيفة فقدان الذاكرة فى مسلسل (ونحب تانى ليه). يلعب «شريف منير» دور الزوج والأب الوغد الذى يعامل زوجته وابنته بإهمال، قبل أن يطلقها بدون سبب، وبعد مرور حوالى عام يصاب فى حادث ويدعى أنه فقد الذاكرة بشكل جزئى، ويتعامل كأنه لا يزال متزوجا ولكنه الآن فى حالة هيام بزوجته وحب لابنته لم يظهران عليه طوال علاقته بهما. وبغض النظر عن إمكانية حدوث هذا واقعيا، فإن أسطورة أن فقدان الذاكرة تعيد المرء لبراءته وطيبته قديمة، وغالبا ما تكون حيلة دفاعية يلجأ إليها الأفراد، والمجتمعات أيضا، لمحو ماضيهم الملطخ بالدماء أو العار.

 

وهذا تحديدا هو الوضع الذى تجد فيه «رقية» نفسها: فى البداية تستعيد ذكريات تجعلها تبدو كضحية نسوية لشلة من الرجال الأثرياء الأوغاد، ولكن مع تداعى الذكريات تتكشف حقائق أخرى لنكتشف أنها قاتلة ومتآمرة أثمة.. قبل أن تتجمع باقى قطع «البازل» لنرى الصورة كاملة.

 

الفرد، أو المجتمع، ما هو إلا مجمل ذكرياته، والذاكرة هى التى تشكل الهوية، بدون أن تكون حاضرة وكاملة، سيظل تصور الفرد أو الجماعة عن هويته مشوها وناقصا مما يمكن أن يشكل عطبا وشللا لا براء منه.

 

لعل هذه فكرة العمل الأصلى الذى اقتبس منه (لعبة النسيان)، ولكن كمعظم المسلسلات الآن، التى توزن بالحلقة والدقيقة والكيلو، هناك الكثير من الإطناب والتطويل، مما أفقد العمل بعض تركيزه وتأثيره، خاصة مع خلوه من أى مستويات سياسية أو اجتماعية للدراما المعروضة!