الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الجسد المصرى الواحد

يُثبت المصريون نقاء معدنهم تحت وطأة الأزمات، يستشعرون الخطر فتختفى فجأة مظاهر الخلاف، ويعلى الجميع قيم التعاون والمصلحة العامة، يعملون معًا فى تناغم وكأنهم خلية نحل، الجميع على قلب رجل واحد، أطل فيروس كورونا بوجهه من الشباك فراح المواطنون فى الداخل ينتظمون فى مجموعات عمل طوعية هدفها التوعية وتعقيم المرافق العامة وغيرها من الأنشطة الخدمية. 



 

فى الخارج دشن المغتربون هاشتاج (#احنا_فى_ضهرك) على تويتر والفيسبوك لتقديم يد العون لكل العالقين بالخارج ممن يمنعهم حظر الطيران من العودة لأوطانهم، فور إعلان الدكتور مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء القرار الخاص بتعليق حركة الطيران فى جميع المطارات المصرية اعتبارًًا من يوم الخميس الموافق ١٩ مارس ٢٠٢٠ فى تمام الساعة الثانية عشرة ظهرًا وحتى يوم ٣١ مارس ٢٠٢٠، كخطوة احترازية تأتى فى الاتجاه الصحيح للبلاد، بعد تعليق المدارس، الجامعات، الصالات الرياضية لمدة أسبوعين، من أجل السيطرة على هذا الفيروس الجديد كورونا (كوفيد – 19).

 

رغم ما تؤديه السوشيال ميديا أحيانًا فى نشر الشائعات، وممارسة السخرية والتنمر على قرارات الحكومة أو حتى أزمة انتشار الكورونا كوباء عالمى، نجد مجموعة من الشباب الذين استغلوا سرعة انتشار مواقع التواصل الاجتماعى فى الوصول لأكبر عدد من المصريين العالقين فى بلاد مختلفة حول العالم والذين لم يتمكنوا من العودة إلى ديارهم قبل سريان قرار إغلاق المطارات.

 

انطلقت الفكرة من جروب متخصص فى السفر على موقع التواصل الاجتماعى الفيسبوك وهو«Travel Secrets Club»، عندما سأل العديد من الأشخاص الذين يسافرون حاليًا عن إلغاء الرحلات الجوية، ليتفاعل معهم أعضاء الجروب بعد فترة وجيزة وبدأت التعليقات على الجروب تنادى أى مصرى موجود حاليًا فى أى دولة بالعالم سواء كان السبب فى وجودهم فى الخارج للسياحة أو زيارات للدول لأسباب مختلفة ولا يمكنه حجز رحلة طيران أو تم إلغاء رحلته، أو إذا نفد المال، أو إذا لم يتمكنوا من العثور على مكان للإقامة خلال هذا الحجر الصحى، أن يستضيفه شخص آخر مقيم فى البلد ويوفر له ما يلزمه من مكان للمعيشة والمال.

 

وهكذا تتحول المِحن إلى مِنح فى وقت الأزمات، نجح خلالها مجموعة من الشباب المصرى والعربى فى التفكير خارج الصندوق ومد يد العون والمساعدة بدًلا من الصراخ والانتقاد خلف شاشات أجهزة الكمبيوتر ويصبح هناك أمل وسط الأخبار الكئيبة من ارتفاع حالات الإصابات والوفيات.

 

وناشد جاك خاطر – مصرى مقيم فى الإمارات- على جروب «Travel Secrets Club» قائلا: «الإخوة المصريون فى الإمارات على من يتعثر فى شراء ثمن تذكرة الطيران أو تدبير مكان للمعيشة فهو جاهز لمساعدته، بل والذهاب له أينما يكون ليقله بسيارته لمنزله».

 

ومن جانبها، كتبت إلهام زروق فى منشورها على «تويتر»: «أنا مواطنة تونسية، ومن يعرف شخصًا أو عائلة عالقة بسبب حظر الطيران، فأنا بجواره أقدم له العون، وأسعى لمعرفة مكانه لتوفير الطعام والشراب والمال، نحن إخوة فى الإنسانية وهذا أقل ما نقدمه فى وقت الأزمات» 

 

ويقول أبوحنين: «أنا موجود فى سلطنة عمان وتحت أمر أى أخ مصرى أو عربى محتاج مساعدة، أنا موجود فى ولاية صحار ولو كنت فى أى مكان ولو بعيدا أو حتى فى الإمارات تواصل معايا وأنا هتصرف ماتقلقش حبايبنا كتير».

 

ومن «واشنطن» طالب محمد كردى: «أى مصرى عالق فى البلد ونفدت أمواله، أن يتواصل معه وسوف يدبر له مكانًا للإقامة وتذكرة طيران حتى إنهاء الحظر بعد الأسبوعين» 

 

محمد غازى، باريس، طالب المصريين المتواجدين فى العاصمة ولم يتمكنوا من السفر خلال الأيام القادمة بالتواصل معه عبر حسابه على تويتر، مرحبًا باستضافتهم فى منزله وفى بيوت أصدقائه الفرنسيين أيضًا.

 

يُذكر أن بسبب انتشار فيروس كورونا علقت عدد من الدول رحلاتها بشكل مؤقت لمدة أسبوعين قابلة للتمديد كتدابير احترازية لانتشار الفيروس، منها مصر.

 

حملة لتعقيم مساجد الإسكندرية

 

 فى الداخل وبينما راحت وزارة الصحة تسجل كل يوم إصابات جديدة بالفيروس المستجد وسط حالة خوف وترقُّب من المواطنين لم يستسلم البعض إلى مخاوفهم وإنما بادروا بتقديم الحلول وطرق الوقاية لمن حولهم، واضعين سلامتهم الشخصية عين الاعتبار، فبادروا إلى المساجد والكنائس يعقمونها، بعض هذه المبادرات تم بجهود ذاتية من الشباب والبعض الآخر بتكليف من وزارة الأوقاف.

 

كان لإدارة أوقاف المنتزه بمحافظة الإسكندرية دور كبير فى التوعية ضد فيروس كورونا المستجد؛ حيث عقدت اجتماعًا شهريًا تثقيفيًا لمناقشة طرق الوقاية منه، حضر الاجتماع جميع عمال الإدارة لكنه لم يمر مرور الكرام، وإنما قرر الدكتور «محمد عبدالعزيز عوض»، مدير عام الإدارة إطلاق حملة لتعقيم جميع المساجد، كانت البداية فى 12 مارس الماضى. الكل يعمل على قدمٍ وساق، يحملون بخاخات الماء والكلور وينتقلون بها بين المساجد لتعقيمها.

 

بلغ عدد العمال المشاركين فى الحملة 400 عامل، وكان للأئمة دور بارز؛ حيث حملوا البخاخات بأنفسهم وبادروا برش وتعقيم الأسطح، يقول «عبدالعزيز»: «نظمنا الحملة بتوجيهات من فضيلة الشيخ محمد خشبة وكيل الوزارة والدكتور عبدالرحمن نصار وكيل المديرية، فى جميع مساجد إدارة أوقاف المنتزه، وجاءت الفكرة بعد محاضرة تثقيفية مع رعاة بيوت الله من العمال العاملين بالمساجد، وأوضحت أن أفضل شيء للقضاء على الفيروس هو الاعتناء بالنظافة، وأوضحت أن النظافة والتعقيم أدواته بسيطة وبينت أن الكلور مع الماء بنسبة كوب كلور على ٢ لتر ماء يقتل الفيروس».

 

الحملة استهدفت النظافة العامة، لاسيما أماكن الوضوء من أجل تحقيق أعلى سبل الوقاية وحرصًا على سلامة المصلين. يضيف عبدالعزيز: «هذه الأوقات تحتاج إلى التفانى فى العمل والعمال يقومون بكل شيء بأنفسهم لشعورهم أنها مسئولية تضامنية فكلنا نعمل بروح فريق عمل واحد، ما نقوم به يلقى ارتياحًا ويعطى طمأنينة لدى الناس»، يرى مدير عام إدارة أوقاف المنتزه أن الفيروس يجعل المصلين يرتبطون بربهم أكثر؛ حيث إن شعب مصر على يقين بالله وهو متدين بطبعه: «نحن خدام دين ووطن، وهو واجبنا نحو الإنسانية كلها، ولقد أصدر معالى الوزير تكليفات بذلك».

 

شباب قرية الرملة يعقمون الكنائس والمساجد

 

بدا المشهد مبهجًا من داخل أروقة كنائس ومساجد قرية «الرملة» التابعة لمركز بنها، حيث قرر عدد من الشباب الاعتماد على ذاتهم وأطلقوا مبادرة للوقاية من فيروس كورونا المستجد، ورغم ضعف الإمكانيات أصر هؤلاء الشباب على بدء مسيرتهم واستكمالها على أكمل وجه.

 

«أحمد يوسف البربرى» 23 عامًا، الطالب بالفرقة الثالثة بكلية التجارة، جامعة بنها، صاحب فكرة المبادرة التى انطلقت منذ أسبوع، مؤكدًا أنه كان بمفرده فى البداية وحينما أخبر أصدقاءه استجابوا على الفور فانضم إليه 4 آخرون، وبعد مضى نصف ساعة أنجزوا جميع الأشياء التى يحتاجونها أثناء حملة التعقيم، يقول: «جهزنا الورق وأدوات التعقيم، تانى يوم الظهر بدأنا من المسجد اللى جنب بيتنا. أول يوم كان فوضوى مكناش عارفين نبدأ إزاى ونعمل إيه، من تانى مسجد الدنيا ظبطت، المسجد مبقاش ياخد مننا ربع ساعة، والأهالى بقوا يسلفونا المعدات، خلصنا أكتر من 60 مسجدا وأكبر مسجد فى المدينة مجمع عمر بن الخطاب، ودخلنا على الكنائس وخلصناها وعملنا كنيسة العذراء مريم وماريوحنا المعمدان دى كنيسة كبيرة جدًا، والناس كانوا فرحانين بينا».

 

يؤكد الشاب العشرينى أن الأقباط رحبوا بمبادرتهم وعاونوهم أيضًا: «خلصنا قريتنا وهنتجه للقرية اللى جنبنا، اللى شاركوا فى المبادرة أحمد زغلول، ومحمد أيمن البربرى، وإبراهيم أحمد، ومحمد السيسى، ومحمد ناصر».

 

أما «محمد قربة»، الطالب بالفرقة الرابعة بكلية التربية، وأحد المشاركين فى المبادرة، فقد أكد أنه من الصعب منع الناس من الخروج من منازلهم، خاصة فى المناطق الريفية، لذا حرصوا على تعقيم المساجد، يقول: «الرجالة فى منهم أبويا وجدى، وعشان منهجرش المساجد أكتر ما هى مهجورة، ولما نزلنا البوست ناس كتير حبت تشارك وجابتلنا المواتير وإحنا بنلم من بعض بجهود ذاتية ونشترى الحاجات إذا كانت كمامات وجلفزات وصاحب محل منظفات بيزودنـا بالكلـور واحـنا بنشـترى بـنزين للمواتير».

 

بدأت المبادرة بـ 4 شباب وباتت الآن قائمة على 7 أشخاص، مشيرًا إلى أنهم تلقوا بعض التعليقات السلبية من الناس اللذين ليس لديهم وعى بخطورة الفيروس: «يقولوا ربنا يشفيكم، إنتوا عيانين، متقربوش مننا، واللى تشيل الطرحة تخبى وشها بس الواحد مكنش بيضايق من الكلام، كل الزعل إنهم عايشين بدون وعى ومبسوطين بيه، لكن الدعاء اللى بنسمعه من الناس الكبيرة اللى عندها وعى ده بيخفف عننا تعب اليوم كله وبيسعدنا جدًا وناس كتيرة بتدعى لينا»، موضحًا أنهم فى المقابل قابلوا مواقف إنسانية جميلة تعلقت بها قلوبهم: «اللى بيجيب عصاير واللى يمسك فينا عشان يأكلنا».

 

تتلخص مهمة شباب قرية «الرملة» فى تعقيم المسجد ثم ترك بخاخة للعامل ويشرحون له كيفية التعامل وطريقة التعقيم، ويضيف: «عارف إننا مش حاميين نفسنا كتير يعنى بس على قد ما نقدر بنحاول، بنلبس الجلفزات والكمامات وكده، ورجلينا بنرشها قبل ما ندخل وبعد ما نخلص، لإن اللبس المخصص للتعقيم اللى بيحمى الجسم كله ده تكلفته عالية ومش لاقيينه للأسف». 