الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

سقوط «النظام العالمى» فى اختبار كورونا!

على غرار أسطورة الجيش الذى لا يُقهر،   ثم  دحره فى ساعات، أدخل الغرب فى عقول العالم -لسنوات- مصطلحات وشعارات، اعتمدوا فيها على البروبجندا الإعلامية بشكل أساسى، تبدأ من زرع الرهبة من القوة العظمى للولايات المتحدة، وتنتهى بالانبهار بالنظرية المثالية-الليبرالية فى العلاقات الدولية للمجتمع الغربى.



 

 

ولكن، مع انتشار فيروس كورونا (COVID-19)، ظهر تساؤل مثير، هل يغير هذا الفيروس المفاهيم الغربية التى تربت عليها أجيال حول العالم؟!

 

يعرف الجميع أنه بعد انهيار «الاتحاد السوفيتى» فى أوائل التسعينيات، وانتهاء فكرة القطبية الثنائية، صار العالم أحادى القطبية -بالفعل- لصالح «الولايات المتحدة الأمريكية». وعرفت «واشنطن» كيف تستغل هذا الوضع فى تضخيم صورتها أكثر فأكثر، ما جعلها المتحكم الأول والرئيسى فى شكل وأحداث النظام الدولى، وكيفية صنع السياسة الخارجية لأغلب الدول. وفى الفترة نفسها–أوائل التسعينيات- ولد «الاتحاد الأوروبى»، الذى تبنى الأفكار المثالية الليبرالية فى العلاقات الدولية، التى تعتمد على نشر السلام، وحقوق الإنسان، والتعاون، والتكامل الإقليمى، والإيمان بدور المنظمات فى حل الأزمات، وغيرها. وبدورها، ادعت «الولايات المتحدة» تبنيها أيضًا لمثل تلك الأفكار، نظرًا لأن النظرية المثالية ـ أساسًا- من بنات أفكار الرئيس الثامن والعشرين للولايات المتحدة «وودرو ويلسون». بل، وابتكر «البيت الأبيض» فى العصر الحديث مصطلحات جديدة، مثل: فرض السلام أو نشر الديمقراطية بالقوة، كستار لها أمام العالم، تنفذ خلفه أبشع الانتهاكات للدول الأخرى خلال العقود السابقة. ولم يكن بوسع أى دولة أن تعترض، أو تفلت من عقابها. فى النهاية، صمت الجميع أمام قوة «الولايات المتحدة»، وتحالف «الاتحاد الأوروبى» الذى كان أمثولة تمنى الجميع تحقيقها.

 

ورغم أن الظروف الدولية ساعدت الغرب على التقدم بالفعل؛ فإن الصورة الضخمة التى رسمت لهذا التقدم يبدو أنها كانت أكبر من الواقع. إذ  استطاعت دول أخرى خلال السنوات القليلة الماضية أن تثبت نفسها على المسرح الدولى، مثل: «الصين»، «وروسيا»، بينما عكفت بعض الدول على أن تكون مؤثرة أيضًا فى السياسة العالمية، وهو ما أخل بميزان القوى فى النظام الدولى. وعليه، ازدادت شراسة التنافس بين هؤلاء اللاعبين، إلى أن وصل هذا الكائن المجهرى، الذى استطاع بسهولة شديدة أن يهز هذه الكيانات الكبيرة، ويربك المسئولين حول العالم، ويفضح الدول الغربية تحديدًا. إذ أظهر «فيروس كورونا» –فى أسابيع قليلة- أن الواقع انتصر على مثاليتهم. 

 

بدأ عدد من الخبراء يتشككون فى أن هذه المرحلة قد تكون بداية تفكك «الاتحاد الأوروبى»، إذ كشفت مجلة «فورين بوليسى» أن دول «الاتحاد الأوروبى» تخلت عن «إيطاليا» فى وقت الحاجة، فى تنازل كبير عن المسئولية. كما أخفقوا فى تقديم المساعدات الطبية، والإمدادات لجارتهم الجنوبية، التى أغلقت المدارس والجامعات، وعلقت مباريات كرة القدم، وحظرت زيارات المطاعم، والسفر إلا للضرورة القصوى، وغير ذلك من إجراءات مشددة، وسط الانتشار السريع للفيروس الغامض هناك.

 

وأوضحت المجلة أن الكثيرين اعتقدوا فى البداية، أن دول «أوروبا» سترسل لأصدقائها الإيطاليين بعض الإمدادات الحيوية، خاصة أن الإيطاليين طلبوا ذلك بالفعل.. لكنها ببساطة لم ترسل شيئًا !!

 

ثم نددت المجلة بضعف آلية الحماية المدنية، التابعة لـ«الاتحاد الأوروبى»، التى تعمل كمركز لأزمات الاتحاد، ومركز تنسيق الاستجابة للطوارئ، الذي يراقب الكوارث الطبيعية والاصطناعية على مدار الساعة، موضحة أنه عندما لا تستطيع دولة في «الاتحاد» التعامل مع الأزمة بمفردها، فإنها تلجأ إلى مركز الأزمات، الذى يرسل بدوره إلى الدول الأعضاء الأخرى، التى يمكنها بعد ذلك التطوع للمساعدة. ومن ثم يقوم البلد المتلقى فى وقت لاحق بسداد المساعدة.

 

وفى الشهر الماضى، عندما بدأ انتشار كورونا بسرعة في «إيطاليا»، طلبت الدولة المساعدة عبر مركز تنسيق الاستجابة للطوارئ. وقال الممثل الدائم لإيطاليا لدى الاتحاد الأوروبى، «ماوريتسيو مسارى»: «لقد طلبنا إمدادات المعدات الطبية، وأرسلت المفوضية الأوروبية النداء إلى الدول الأعضاء...لكنها لم تنجح». حتى الآن، لم ترسل أى دولة عضو فى الاتحاد الأوروبى الإمدادات اللازمة إلى «إيطاليا»..وهو أمر مأساوى لبلد يعانى من 31 ألفًا و506 إصابات بفيروس كورونا و2503 حالات وفاة حتى 18 مارس الجارى، ومع طاقم طبى يعمل فى ظل نقص حاد فى الإمدادات. وعلقت «ماوريتسيو» أن جميع الحكومات الأوروبية اهتمت فقط بأن لديها ما يكفى من الإمدادات لمستشفياتها، ومرضاها، والعاملين بالقطاع الطبى لديها.

 

يعد هذا دليلًا على أن «الاتحاد الأوروبى» طبق النظرية الواقعية، التى تنادى بالمصلحة الخاصة وإن كان على حساب الآخر وابتعد عن مبادئ الكيان الذى قام أساسًا بهدف توحد أوروبا فى مواجهة أى خطر.لكن المبادئ التى طالما تفاخرت بها الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبى سرعان ما  تبخرت بسبب تعرض جميع هذه الدول لنفس الأزمة، وإن لم تكن بنفس خطورة الوضع فى «إيطاليا».

 

كما أكدت الأنباء أن «إيطاليا» ذاقت بالفعل مرارة عدم التضامن الأوروبى قبل أزمة كورونا. فخلال أزمة اللاجئين عام 2015، وصل نحو 1.7 مليون شخص إلى الأراضى الأوروبية، معظمهم في «إيطاليا»، و«اليونان». ولكن، فى عام 2017 رفضت بعض الدول الأوروبية قبولهم. وعلق «ماوريتسيو مسارى»: «إن أزمة فيروس كورونا شبيهة بأزمة اللاجئين.. «إيطاليا تشعر أن الفيروس يمثل تهديدًا عالميًا وأوروبيًا ويحتاج إلى استجابة أوروبية، لكن الدول الأخرى لا ترى الأمر بنفس الطريقة».

 

وتساءل ممثل إيطاليا بالاتحاد الأوروبى: لماذا يجب على «إيطاليا» دعم حلفائها الأوروبيين فى المرة القادمة التى تكون فيها فى مأزق؟، ولماذا يجب عليها أن تهتم بدعوات الحلفاء الأوروبيين، الذين اعترضوا على مشاركتها فى (مبادرة الحزام والطريق) الصينية، التى انضمت إليها العام الماضي؟ لماذا ينبغى على «إيطاليا» الاحتفاظ بقواتها البالغ قوامها حوالى 6 آلاف جندى فى البعثات الأجنبية، والقوات التى تقود وتشكل أجزاء كبيرة من مهمة الأمم المتحدة لحفظ السلام وقوات «الناتو»؟

 



 

أما «صربيا» فهى ضحية أخرى ـ من خارج الاتحاد الاوروبي - واجهت أيضًا الإهمال الأوروبى. إذ لخص الرئيس الصربى «آلكساندر فوتشيتش» حقيقة الأوضاع، عندما صرح علنًا منتصف الأسبوع الماضى، أن: «التضامن الأوروبى غير موجود. لقد كان كل هذا قصة خرافية على ورق».

 

الأخطر بالنسبة للغرب فيما قاله «فوتشيتش»، هو تصريحه بأن: ««صربيا» تتجه الآن إلى «الصين»..نحن بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم. لهذا السبب أطلب منكم أن ترسلوا لنا أى شىء. إن المال ليس مشكلة، نحن بحاجة إلى كل شيء آخر، بدايةً من الأقنعة والقفازات إلى أجهزة التهوية. والأهم، أننا نحتاج إلى معرفتكم والى أشخاص على استعداد للمجيء إلى هنا لمساعدتنا».

 

وبالفعل، وصلت الدفعة الأولى من المساعدات الصينية إلى «صربيا»، وضمت مجموعات اختبار (COVID-19) التى تبرعت بها مؤسسة «ماموث»، وهى منظمة إنسانية مقرها «شنتشن». وقبلها وصل إنقاذ إلى «إيطاليا» فى منتصف ليل 12 مارس، بعد أن هبطت طائرة صينية في «روما»، وعلى متنها تسعة خبراء طبيين، و31 طنًا من الإمدادات الطبية، بما فى ذلك: معدات وحدة العناية المركزة، ومعدات الحماية الطبية، والأدوية المضادة للفيروسات. وفى نفس الوقت تقريبًا، وصلت شحنة صينية إلى «إيطاليا» تحمل أكثر من 230 صندوقًا من المعدات الطبية.

 

انتبه الخبراء الغربيون إلى أن هذه التحركات الأخيرة أثارت حقيقة لطالما تحدثوا عنها خلال السنوات الأخيرة على استحياء، وهى إثبات «الصين» بأنها قوة عظمى بشكل رسمى من خلال تحركاتها على الساحة الدولية وظهرت قوتها فى  مواجهة هذا الوباء العالمى الذى بدأ عندها، وتعافت منه سريعًا. ثم حلت «بكين» فى هذه الأزمة محل «واشنطن»، التى لطالما أذاعت عن نفسها أنها (المنقذة) للشعوب الأخرى، والأمر نفسه للاتحاد الأوروبى (المتعاون) مع دول الجوار!!

 

وما زاد الأمر سوءًا للغرب، هو بداية تعافى الاقتصاد الصينى، فى الوقت الذى ينغلق الاقتصاد العالمى يومًا بعد يوم، إذ قدر موقع «بلومبرج إيكونوميكس» أن الاقتصاد الصينى كان يعمل بنسبة 80 ٪ إلى 85 ٪ من طاقته الطبيعية اعتبارًا من يوم الجمعة الأسبق. وصارت تكمن أزمته الحالية فى انتشار فيروس كورونا لدى أكبر عملائها، أى الأسواق المتقدمة في «أوروبا»، و«الولايات المتحدة الأمريكية».

 

كما أكد الموقع أن شركات التصنيع فى جميع أنحاء «الصين» أوضحت أن التحدى الناشئ الآن هو الطلب، وليس العرض. فقد قال «مارك ما»، مالك «Seabay International Freight Forwarding»، في «شنتشن»: «نحن فى الواقع أكثر قلقًا بشأن تطور الوباء في «أوروبا»، و«الولايات المتحدة»، مما سيؤثر على استهلاكهم المحلى». ومن جانبه،  قال «ترينه نجوين»، كبير الاقتصاديين في «ناتيكسيس»، ومقره «هونج كونج»، إنه: «بينما تتعافى «الصين»، وتستأنف سلاسل التوريد الخاصة بها، فإنها ستتضرر من صدمات الطلب المتواضع فى عالم متزايد العدوى».

 

ونتيجة لكل هذه الفوضى التى خلقها الفيروس الصغير، حاول الإعلام الذى احتكرته «الولايات المتحدة» لسنوات كثيرة، أن يزايد فى لعبته المعهودة منذ عقود، وهى إلقاء اللوم على «الصين» فى هجوم إعلامى شرس. وبعيدًا عن قضايا: (مصدر الوباء، أو كيفية إنشائه، وإلى أى مدى وصل، ومصداقية هذه الأخبار من الأساس)، أغفل الإعلام الغربى التأثير المضاد لوسائل الإعلام الروسية، والصينية، إلى جانب أمريكا اللاتينية، وحتى الإيرانية على الغرب، وفى العالم، مما صعب مهمة «واشنطن»، وكبح جماح البروبجندا الغربية!!