الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

«كورونا» يثير "حرب الإيمان" داخل الكنيسة

حالة شديدة من الجدل أثارتها أزمة فيروس كورونا داخل الشارع القبطى بشكل عام وعبر منصات التواصل الاجتماعى بشكل خاص وتركزت حول اتخاذ الكنائس فى مصر وفى كثير من دول العالم إجراءات احترازية لمواجهة تفشى الوباء.. الشارع المسيحى انقسم بين مؤيد ومعارض حول استخدام ملعقة الماستير فى سر التناول أو استبدالها بطريقة غمس القربان فى عصير الكرمة، وحول إلغاء تقبيل يد الكاهن والاكتفاء بإيماءة بالوجه وأيضا التبارك بالأيقونات. 



 

بدأ الجدل بعد إصابة كاهن ومجموعة من الشمامسة كانوا يصلون معه فى إحدى الكنائس القبطية بنيو جيرسى بالولايات المتحدة الأمريكية، وعزل كنيسة قبطية كاملة بشعبها وكهنتها والشمامسة هناك بعد ظهور حالة إيجابية لأحد المصلين وإعلان الأنبا أباكير أسقف الدول الأسكندنافية إيقاف جميع القداسات بعد عزل الكنيسة.

 

حالة الانقسام دفعت بعض المسيحيين لأن يتهموا من ينادون بالتخلى عن ملعقة الماستير بأنهم عديمو الإيمان ولا يثقون فى كنيستهم وأنهم يسعون لتغيير الثوابت الإيمانية، وفى المقابل يستند المطالبون بوقف الصلوات مؤقتا والتخلى عن ملعقة الماستير إلى أن الخوف حق أصيل للنفس البشرية وكذلك وجود آيات كتابية واضحة فى إنجيل متى منها قول المسيح «لا تجرب الرب الهك».

 

الغريب فى الأمر أنه رغم اتخاذ الكنيسة بعض الإجراءات الاحترازية لتقليل التجمعات حتى أن البابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية ألقى عظته يوم الأربعاء الماضى دون حضور شعبى وكذلك فعل أيضا الأنبا رافائيل أسقف عام كنائس وسط البلد، فإن الجميع فوجئ بالأنبا يؤانس أسقف أسيوط يعقد اجتماعه الأسبوعى ويذيعه مباشرة على القنوات المسيحية بحضور المئات من الشعب فى خطوة خطيرة لا تصدر من طبيب يفترض أنه يعى تماما خطورة ذلك وأنه يعرض حياة الآلاف لخطر حقيقى فى وجود احتمالية أن يكون هناك حامل للمرض بين كل هذا الجمع.

 

الأزمة الأكبر أن الأنبا يؤانس أكد للشعب أنهم لو صلوا بإيمان حقيقى لن يصاب أحد بكورونا وجعلهم يرددون « إذا صلينا من كل قلبنا، كورونا مش هتقرب مننا» ولا نعرف هل إذا أصيب أحد من الحضور سيتهمه الأسقف بأن الخطأ خطؤه لأنه لم يصل من كل قلبه؟! لا نعرف الحقيقة كيف يعرض الأسقف كل هذه الجموع لخطر حقيقى بهذا الشكل.

 

عندما انتشر الفيديو عبر صفحات التواصل الاجتماعى أثار غضب الكثيرين ضد الأنبا يؤانس مطالبين بفرض عقوبات عليه لمخالفته الإجراءات الاحترازية التى اتخذتها الكنيسة تماشيا مع توجيهات الدولة مؤكدين أنه عرض حياة كثيرين لخطر حقيقى خاصة أن أغلب الحضور كانوا من كبار السن وهم الفئة الأكثر تضررا حال إصابتهم بالفيروس.

 

وعلى النقيض تماما، أصدرت كنيسة مارمرقس للأقباط الأرثوذكس بولاية بوسطن الأمريكية توجيهات لرعاياها بضرورة احترام القوانين وكيفية التعامل مع كبار السن، حيث قالت فى بيان لها «بسبب حظر الولاية على عدم تجمع أكثر من 25 شخصًا، يجب أن نلتزم بهذه القوانين الجديدة لسلامتكم، لذا نرجو عدم حضور القداسات إلى أن يرفع الحظر. سيصلى الآباء الكهنة القداس معًا نيابة عن الشعب وسنصلى إلى الله أن يحمى العالم من هذا الوباء. سيتم بث كل الصلوات على الهواء مباشرة وعلى فيس بوك. نشجعكم على الوقوف والمشاركة معنا فى الصلاة». 

 

وفى خطوة أخرى تشير لعدم اتخاذ قرار موحد من قبل الكنيسة الأرثوذكسية «المجمعية» أصدرت مطرانية سمالوط بيانا آخر ينصح الأقباط بأن تكون القداسات الإلهية بحضور الأب الكاهن والمرتل وشماس واحد فقط وهذا ليس على سبيل الإجبار بحيث لا يمنع بشكل صارم من أراد الحضور وفى حالة الإصرار على الحضور يكتفى لكل فرد بقداس واحد فى الأسبوع.. البيان أثار موجة من الهجوم على المطرانية بين الأساقفة وهى الفئة التى من المفترض الآن أن تنحى كل مشاكلها جانبا لتقف وقفة رجل واحد حتى يستطيعوا أن ينهوا على الأقل حالة الجدل المثارة منذ أسابيع والتى تدور كلها حول الخوف من انتشار العدوى بسبب الصلوات والطقوس وهو الأمر الذى لم تصدر به أى شرح موحد وافٍ بل كلها اجتهادات شخصية من بعض الأساقفة الذين يظهرون على الميديا المسيحية وفى بعض القنوات على الإنترنت.

 

أظهرت أزمة كورونا أزمة أكبر داخل الكنيسة ففى الوقت الذى تقوم فيه صفحة المتحدث الرسمية بتوعية المواطنين بكيفية الوقاية واكتشاف الإصابة بالفيروس وهو دور مجتمعى رائع للكنيسة تظهر بيانات الإيبارشيات مختلفة عن بعضها البعض ومختلفة عن بيان البطريرك، كما أن بعض المضامين التى تضمنتها البيانات تحمل علامات استفهام كبيرة لا تختلف عما أثاره الأنبا يؤانس بعقده لاجتماعه الأسبوعى فى حضور هذه الجموع الغفيرة.  فى البند رقم 12 يؤكد بيان إيبارشية طنطا على عدم المساس بمسلمات الكنيسة القبطية الأرثوذكسية وتقاليدها فى أسلوب التبرك بالأيقونات وأجساد القديسين وأبوة الكهنوت.. والسؤال هنا ماذا لو نقلت العدوى لأحد الكهنة بعد تقبيل يديه.. ماذا سيكون الوضع ورد الفعل؟، ولماذا يوجد هذا البند رغم تحذير سكرتير المجمع المقدس من التقبيل حتى لا تنتشر العدوى، أم فى هذه الحالة سيكون أحد الطرفين كان إيمانه ضعيفًا؟ 

 

حالة الجدل هذا لم تقف عند الأساقفة والرعية فقط بل انتشرت أيضا بين الكهنة عبر صفحات السوشيال ميديا فكتب القس لوقا من الفيوم يقول «التفكير الغيبى ليس دليلا على الإيمان بل إنه يؤدى فى النهاية إلى الإلحاد عندما يصطدم بالواقع.. احترام الحقائق العلمية ليس نقصا فى الإيمان».

 

واتفق معه القمص سيلا عبدالنور الذى كتب يقول «تعريض الناس للموت بالوباء تحت مسمى الإيمان ليس إيمان بل خطية كبيرة سيحاسب عنها من يفعل هذا أمام الله كقاتل نفس».

 

وفى المقابل أكدت بعض صفحات حماة الإيمان أن استحالة تسبب الماستير فى نقل العدوى هى استحالة إيمانية وليست طبية، وإلا فإن جملة أؤمن أؤمن أؤمن التى نرددها فى القداسات مجرد ترتيلة وليست إيمانا قويا».

 

هذا التخبط لم يقف عند كنيسة بعينها بل كان واضحا بين الطوائف وبعضها فمنهم من منع استخدام الماستير مثل بطريركية أنطاكية وسائر المشرق للسريان الأرثوذكس والتى كانت أكثر وضوحا وتقديرا لمخاوف رعاياها حيث اتخذت قرارات جريئة بخصوص القداسات والتناول أبرزها وضع «التناول» فى اليد باعتباره طقسا قديما، والاستعاضة عن تبادل السلام اليدوى بإحناء الرأس أو وضع اليد على الصدر، والاستعاضة عن تقبيل صليب المطران أو يد الكاهن بإحناء الرأس أمامهما. 

 

تعديل طريقة المناولة أمر رفضه السنودس المقدس للكنيسة الأرثوذكسية فى اليونان مؤكدًا أن الفيروس لا ينتقل عبر المناولة.

 

الأزمة الحقيقية أنه إذا ظل البعض يتعامل مع الخطر باستخفاف ففى الأغلب أن جميع دور العبادة قد تغلق فى أى وقت بقرار من الدولة ولن يكون هناك أى مصلين حتى إن مخاوف البعض ذهبت لأسبوع الآلام أقدس أسبوع فى الكنيسة على الإطلاق فهل سيكون بلا مصلين كما سيحدث فى إيطاليا؟ 

 

أزمة كورونا توضح مدى اتساع الهوة بين الكنيسة وشعبها وتوضح مدى التقصير الذى حدث على مدار أعوام فى خدمة الشعب الذى تسبب فى هجرة الكثيرين خاصة من الشباب للكنيسة الأم خاصة فى المهجر الذى يعانى من خلو كنائسه من الحضور فى بعض الأحيان.

 

وختاما فإن فيروس كورونا استطاع أن يكشف حجم التخبط وعدم الاتفاق بل وعدم وجود قرار مجمعى واحد بعد أن كان من الصعب أن يتحدث أى أسقف بخلاف البطريرك لمدة ٤٠ سنة كاملة، كما أن أزمة الماستير ما هى إلا ملف ضمن ملفات كثيرة على الكنيسة مراجعتها حتى تستطيع إنقاذ ما يمكن إنقاذه.