الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

العالم يتجه نحو تأميم الشركات

أدى انهيار البورصات العالمية على وقع تفشى فيروس كورونا إلى تدخل الدول لإنقاذ البنوك والشركات الكبرى التى باتت على حافة الإفلاس وذلك عبر العديد من الإجراءات أهمها خفض سعر الفائدة، والإعفاء من دفع أقساط القروض وغيرها، لكن يبدو أن كل تلك الإجراءات ليست كفيلة بإنقاذ تلك المؤسسات العملاقة، خاصة التى تواجه شبح الإفلاس منذ الأزمة المالية العالمية فى عام 2008، لذلك رفعت بعض حكومات العالم مؤخرا شعار التأميم كحل أخير يمكن اللجوء إليه لإنقاذ الكيانات الاقتصادية مما تسميه بعض الدول بالحرب الاقتصادية والمالية. 



 

 

مثلما كانت الصين نقطة انطلاق الفيروس للانتشار حول العالم فإنها أيضا كانت نقطة انطلاق محاولات احتواء التداعيات الاقتصادية لأزمة الفيروس الذى بات يهدد العالم بأكبر أزمة مالية، وعلى وقع انهيار أسعار الأسهم فى البورصة الصينية، سعت الحكومة الصينية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وتحويل الأزمة إلى فرصة عبر شراء حصص حاكمة فى أسهم شركات التكنولوجيا المملوكة للمستثمرين الأوروبين والأمريكيين، وهو ما اعتبره معظم المتابعين نوعا من التأميم.

 

وتواترت أنباء عن سيطرة الشركات المملوكة للدولة الصينية على معظم أسهم الشركات الرأسمالية العابرة للقارات العاملة بها وسط حرب إعلامية مع الولايات المتحدة التى اتهمت الصين بإخفاء معلومات عن الفيروس، الذى يصر الرئيس الأمريكى على تسميته بالفيروس الصينى لإعطاء انطباع أن الصين هى من تقف وراء انتشاره.

 

بعد أن أصاب الذعر المستثمرين وانخفضت أسعار الأسهم فى البورصة الصينية، وبدأت الشركات فى غلق مصانعها فى الصين، بدأت الحكومة الصينية فى شراء أسهم تلك الشركات، وذهب الكثير من المحللين إلى سيناريو مفاده أن الصين نجحت من خلال هذا التكتيك فى «خداع الغرب»، معتقدين أن بكين لعبت لعبة اقتصادية ذات طابع تكتيكى، لم تخطر ببال أحد. 

 

قبل انتشار فيروس «كورونا» كانت معظم الأسهم والحصص فى المشاريع الاستثمارية بمعامل إنتاج «التكنولوجيا و الكيماويات» تعود ملكيتها للمستثمرين الأوروبيين والأمريكيين، وهو ما يعنى أن أكثر من نصف الأرباح من الصناعات التكنولوجية والكيميائية الخفيفة والثقيلة، كانت تذهب إلى أيادى المستثمرين الأجانب وليس إلى الخزينة الصينية، مما كان يؤدى إلى هبوط صرف العملة الصينية «اليوان»، ولم يكن باستطاعة المصرف المركزى الصينى أن يفعل شيئاً أمام السقوط المستمر لليوان، حتى انتشرت أنباء عن عدم قدرة الصين على شراء أقنعة للوقاية من انتشار الفيروس. 

 

أدت هذه الشائعات وتصريحات الرئيس الصينى «بأنه غير مستعد لإنقاذ البلاد من الفيروس»، إلى انخفاض حاد فى أسعار شراء أسهم شركات صناعة التكنولوجيا فى الصين، و قد تسابقت إمبراطوريات المستثمرين «الأجانب» فى طرح الأسهم الاستثمارية للبيع بأسعار منخفضة جداً، و بعروض مغرية، «لم يشهد لها مثيل» فى التاريخ، وأن الحكومة الصينية انتظرت حتى وصلت أسعار الأسهم الأجنبية إلى حدودها الدنيا «شبه المجانية»، ثم أصدرت أمراً بشرائها . 

 

حرب اقتصادية ومالية

 

بعيدا عن مصداقية هذه الرواية من عدمها، فإن كثيرا من الحكومات خاصة فى بعض الدول الأوروبية اعتبرت تأميم المنشآت والكيانات الاقتصادية أحد أهم الحلول لمواجهة الحرب الاقتصادية والمالية التى فرضها تفشى الفيروس بهذا الشكل.

 

وتعتبر الحكومة الفرنسية من أولى الحكومات الأوروبية التى أعلنت صراحة عن عزمها تأميم المنشآت حال استدعى الأمر ذلك، وذلك بعدما أعلنت عن مساعدات بقيمة 45 مليار يورو لدعم الشركات والموظفين، للتصدى لفيروس كورونا المستجد معتبرة أن الأمر يفرض «حرباً اقتصادية ومالية». 

 

وقال وزير الاقتصاد برونو لومير: إن مكافحة الفيروس «ستكون طويلة الأمد وعنيفة وهذه الحرب ستحرّك كل جهودنا»، وأكد أن الحكومة «لن تتردد باستخدام كافة الوسائل المتاحة لحماية الشركات الفرنسية الكبرى»، مضيفاً أن ذلك قد يتم عبر «المساهمة فى رأس المال» أو شراء أسهم. وأضاف «يمكننى القول أيضاً التأميم إذا لزم الأمر».، وأشار إلى أن أزمة تفشى كورونا المستجد ستغرق فرنسا بانكماش اقتصادى فى عام 2020.

 

وأكد الوزير أن الحكومة التى ستقدّم مشروع قانون مساعدات دعم إضافية، ستبنى خطواتها على «توقعات بنمو يساوى -1% فى عام 2020، أى نمو سلبى» مضيفاً أن هذا الرقم «أولى».، واعتبر برونو لو مير أن مكافحة الفيروس هى «حرب اقتصادية ومالية»، بعدما كان الرئيس إيمانويل ماكرون قد قال إن فرنسا «فى حالة حرب» صحية ضد الوباء.

 

السابقة الإيطالية

 

 

تعتبر إيطاليا أكثر الدول الأوروبية التى عانت من الأزمة حتى الآن، حيث إن نسب الإصابة فى هذا البلد تصل لضعف معدلاتها فى باقى البلدان الأوروبية، وهو ما جعلها تلجأ مباشرة إلى إعلان عزمها تأميم الشركات الكبرى خشية انهيارها تماما.

 

وأعلنت الحكومة الإيطالية الأسبوع الماضى،أنها تعتزم تأميم شركة «إيطاليا» للطيران، التى تواجه صعوبات مالية منذ سنوات، وذلك فى إطار الإجراءات الطارئة، وينظر مجلس الوزراء الإيطالى « فى تأسيس شركة جديدة تديرها وزارة الاقتصاد والمالية، أو أن يكون لها الحصة الأكبر فيها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة».

 

وحسب وسائل إعلام محلية، تنظر الحكومة الإيطالية فى توفير 600 مليون يورو لدعم قطاع الطيران الوطنى كاملا، وتتحمل «إيطاليا» للطيران الخسائر الكبيرة منذ سنوات، وتبحث الحكومة عن مستثمرين لإعادة بيعها منذ عام 2017 بعد وضعها تحت وصايتها، وتواجه الشركة منافسة قوية من جانب الشركات قليلة التكلفة، ولم تعد قادرة على المنافسة فى السوق، وتخسر 300 مليون يورو تقريبا فى العام.

 

ولم يكن التأميم للشركات الإيطالية، وسيلة استحدثتها الحكومة الإيطالية الحالية، بل إنه يأتى ضمن أهم الحلول المطروحة منذ سنوات أمام الحكومات الإيطالية المتعاقبة بسبب تعثر كثير من المؤسسات الاقتصادية الكبرى بهذا البلد الأوروبى، منذ الأزمة المالية فى عام 2008، حيث لجأت الحكومة الإيطالية إلى التأميم أول مرة فى عام 2017، عندما وضعت خطة لإنقاذ بنك مونتى دى باشى دى سيينا «إم.بى.إس» بعد أن حقق نتائج سلبية خلال الأعوام الماضية بسبب القروض المعدومة واستحواذه على بنك منافس بسعر مبالغ فيه.

 

ولا يقتصر الأمر على إيطاليا وفرنسا بالنسبة لخطط التأميم، بل من المتوقع أن يمتد الأمر لكافة البلدان الأوروبية التى لاتزال تعانى فيها عشرات البنوك والمؤسسات والشركات منذ الأزمة المالية فى 2008 وحتى الآن، وعلى رأس هذه المؤسسات بنك دويتشه بنك الألمانى أكبر بنك فى ألمانيا.

 

الأزمة المالية

 

 

لم يكن اللجوء إلى التأميم كحل للأزمة وليد اللحظة، بل إن الجدل أثير حول جدوى هذا الإجراء عقب الأزمة المالية العالمية فى عام 2008، حين طرح التأميم كحل لتداعيات الأزمة المالية العالمية لأول مرة فى عام 2009، وكان ذلك فى ألمانيا وهو البلد الذى يعد قلعة الخصخصة، حيث انطلقت شرارة الخصخصة فى العالم منذ بداية الثمانينيات من القرن الماضى.

 

لكن على الرغم من إعلان المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل حينها، أن احتمال تأميم المنشآت لا يمكن استبعاده لإنقاذ الشركات والبنوك الألمانية المهددة بالإفلاس، غير أن الحكومات وقتها لجأت إلى سياسة تقديم الدعم المالى لتلك المؤسسات وإعلان حالة التقشف  بديلا عن الخوض فى تنفيذ خطط للتأميم.

 

ويعتبر بعض المراقبين، أن التأميم سيكون الاتجاه السائد خلال المرحلة المقبلة، وذلك بعد أُفول ظاهرة الخصخصة التى عمت العالم منذ ثمانينيات القرن الماضى، والتى خلفت أزمة مالية طاحنة لا يزال العالم يعانى منها حتى الوقت الراهن.

 

 ولم تكن الفكرة مطروحة فقط على المستوى الأوروبى، بل إن كثيرا من الباحثين فى أمريكا، قدموا هذا الطرح للرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما كحل للخروج من الأزمة المالية، وذلك عبر تأميم البنوك، وكانت الأطروحة التى قدمها الباحثان ماثيو ريتشاردسون ونوريل روبينى الأستاذان بكلية ستيرن للاستثمار بجامعة نيويورك، ضمن أشهر الأوراق المقدمة فى ذلك الوقت.

 

تاريخ طويل

 

 

يعتقد الكثير من المصريين أن ظاهرة التأميم، هى اختراع مصرى ظهر فى عصر الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، غير أن الحقيقة عكس ذلك تماما، حيث إن هذا النظام ظل موجودا على مدار التاريخ الإنسانى، لكنه عرف بنمطه الحالى منذ أوائل القرن العشرين.

 

ويعتقد أن أول تجربة حديثة وقعت عندما قامت الحكومة السويدية بتأميم بنوكها الخاسرة فى عام 1922 ومنذ ذلك التاريخ ظل هذا الإجراء قائما، خاصة فى زمن الأزمات حيث أصبح حالة عالمية فى أعقاب الكساد العظيم ثلاثينيات القرن الماضى وعقب الحرب العالمية الثانية، خاصة مع تحول كثير من البلدان إلى النظام الاشتراكى.

 

ولجأت الدول الصناعية الكبرى لهذا الإجراء، فى أوقات الحروب والأزمات المالية، ويبدو أنه لا بديل أمامها الآن سوى اللجوء إلى هذا الحل، ما يعنى أننا أمام موجة جديدة من الإصلاحات الاقتصادية التى تتبنى نظرية الاقتصادى البريطانى الشهير جون ماينارد كينز، والتى تقوم على زيادة الإنفاق الحكومى والتدخل المباشر من قبل الدولة فى الاقتصاد، لتحفيز الطلب والشراء والاستهلاك، وبالتالى إعادة تدوير العملية الاقتصادية دون أزمات. لكن بعد أزمة الرأسمالية فى منتصف السبعينيات، وخلال العقود الثلاثة التى عقبتها، تخلى اقتصاديو العالم عن الكينزية، باعتبار أن تدخل الدولة فى العملية الاقتصادية هو نفسه السبب الحقيقى وراء الأزمات الاقتصادية، ليعود العالم من جديد ليدرك أن الخصخصة لم تعد تجدى نفعا هى الأخرى لحل مشاكل الاقتصاد. 