الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

المال الحرام!

بدأت الدولة المصرية مؤخرًا، اتخاذ خطوات ملموسة لمكافحة جرائم الفساد وغسل الأموال وتمويل الإرهاب، التى تُعَد من أخطر الجرائم الاقتصادية، والتى تُسبب أضرارًا بالغة بالاقتصاد والأمن القومى لأى دولة، وتُعد سببًا رئيسًا فى انتشار الفقر وتردّى الخدمات وتآكل مالية الدول.. كان آخر التحركات تعديل مواد قانون غسل الأموال وتمويل الإرهاب رقم 80 لسنة 2002م، الذى وافق عليه البرلمان الأسبوع الماضى، وقبله بأيام تعديل قانون تنظيم قوائم الكيانات الإرهابية، ضمن مساعى الدولة الحثيثة لاجتثاث جذور الفساد.



 

 

تعديل القوانين

 

 

وافق مجلس النواب الأسبوع الماضى، على مشروع قانون تقدمت به الحكومة بشأن تعديل بعض مواد قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب 80 لسنة 2002م، ونظرًا لارتباط عمليات غسل الأموال بجرائم تمويل الإرهاب، فقد سبق ذلك، تعديل بعض أحكام القانون رقم 8 لسنة 2015م فى شأن تنظيم قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين.

 

د. «على عبدالعال» - رئيس مجلس النواب - قال إن مصر من أولى الدول التى اتخذت إجراءات لمكافحة جريمة غسل الأموال منذ عام 1980م. موضحًا أن فلسفة القانون تستهدف تجفيف منابع التمويل للجريمة الإرهابية والجريمة المنظمة، وبالتالى جاءت لتتسق مع التعديلات التى أجريت على قانون الإرهاب والكيانات الإرهابية.

 

من جانبه أشار النائب «بهاء أبوشقة»- مقرر لجنة إعداد تقرير مشروع القانون - إلى أن جريمة غسل الأموال جريمة محمولة على جرائم أخرى، لذلك؛ فإن التعديل فصل عقوبة منفصلة عن عقوبة الجريمة الأصلية؛ حيث تضمن التعديل:«يعاقَب بالسجن مدة لا تجاوز 7 سنوات وبغرامة تعادل مثلىَّ الأموال محل الجريمة كل من ارتكب أو شرع فى جريمة غسل أموال».

 

وحدة غسل الأموال

 

تمتلك مصر العديد من الجهات والأجهزة المسئولة عن مكافحة الفساد، من بينها هيئة الرقابة الإدارية وإدارة مباحث الأموال العامة بوزارة الداخلية، وجهاز الكشف غير المشروع؛ حيث وضعت البلاد تشريعًا كاملًا لمكافحة جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب، بعدما انتشرت الظاهرة عالميّا، وباتت وسيلة مهمة لتمويل الأعمال الإرهابية والجرائم الاقتصادية العابرة للحدود.

 

أهم الخطوات التى اتخذتها الدولة فى هذا الشأن، تأسيس وحدة «التحريات المالية»، وهى وحدة مستقلة لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب تابعة للبنك المركزى، بموجب قانون مكافحة غسل الأموال الصادر بالقانون رقم 80 لسنة 2002م، التى يتم تشكيلها بموجب قرار من رئيس الجمهورية.

 

وتُعد الوحدة سُلطة إدارية مركزية مستقلة تتلقى الإخطارات والمعلومات عن أى من العمليات التى يشتبه فى أنها تشكل متحصلات أو تتضمن غسل الأموال أو تمويل الإرهاب أو محاولات القيام بهذه العمليات من القطاع المالى وتحللها وتوجيه نتائج تحليلها إلى جهات إنفاذ القانون وسُلطات التحقيق المختصة؛ حيث تُعد الوحدة بمثابة «همزة وصل» بين الجهات المُبلغة وجهات إنفاذ القانون، وهو النهج المتبع فى معظم وحدات التحريات المالية فى العالم؛ خصوصًا فى الدول الكبرى.

 

ومن أهم اختصاصات هذه الوحدة، تلقى وتحليل الإخطارات والمعلومات الواردة إليها من المؤسّسات المالية وأصحاب المهن والأعمال غير المالية عن أى من العمليات التى يشتبه فى أنها تشكل متحصلات من الجرائم أو تتضمن غسل الأموال أو تمويل الإرهاب، وإبلاغ النيابة العامة لدى قيام دلائل على ارتكاب أى من هذه الجرائم، ولها طلب اتخاذ التدابير التحفظية من سُلطات التحقيق بالنسبة لجرائم غسل الأموال أو تمويل الإرهاب، وكذلك تبادُل المعلومات مع الوحدات النظيرة وغيرها من الجهات المختصة فى الدول الأجنبية والمنظمات الدولية، والتنسيق معها فيما يتصل بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، مع مراعاة الضمانات المتعلقة بالحفاظ على سرّية هذه المعلومات.

 

كما تختص بوضع إجراءات العناية الواجبة بالعملاء وغيرها من القواعد والضوابط والإجراءات ذات الصلة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، والتحقق بالتنسيق مع السُّلطات الرقابية من التزام المؤسّسات المالية وأصحاب المهن والأعمال غير المالية بها.

 

تعاون دولى

 

من جانبه أشار اللواء «نجاح فوزى»- مساعد وزير الداخلية ومدير مباحث الأموال العامة الأسبق- إلى أن تعديلات قانون غسل الأموال تأتى اتساقًا مع التزام مصر بالمعايير الدولية المعنية بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. مضيفًا: إن التعديل التشريعى الذى وافق عليه مجلس النواب كان قد سبقه تعديل آخر انتهى ونُشر بالجريدة الرسمية فى 3مارس الجارى.

 

وأوضح أن التعديل السابق خاص بتعديل بعض الضوابط والإجراءات، فيما يتعلق بالتعاون الدولى فى مكافحة تمويل الإرهاب، التى كانت تخص القانون رقم 94 لسنة 2015م، الخاص بمكافحة الإرهاب، وهو القانون الذى به بعض المواد المعنية بعمليات تمويل الإرهاب والعقوبات المقررة بشأنها.

 

وأضاف: إن التعديلات التى أقرّها مجلس النواب مؤخرًا، توسع نطاق عمليات إجراءات المكافحة الخاصة بمفهوم الأموال والأصول ومتحصلات الأنشطة الإجرامية، والجرائم الأصلية بشكل عام، والأموال الافتراضية بأشكالها المختلفة والأموال الإلكترونية. لافتًا إلى أن قوانين مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب دائمًا ما تكون من شقّين: شق داخلى مرتبط بالدولة وشق خارجى يتعلق بالتعاون الدولى. موضحًا أن التعديلات الأخيرة متعلقة بالشق الخاص بالتعاون الدولى فى هذا المجال؛ خصوصًا فى بعض الجرائم التى لها نفس العقوبات فى دولتين أو أكثر.

 

ولفت إلى أن القضية الأخيرة لغسل الأموال فى البريد، كانت ضربة قوية من الداخلية فى إطار مكافحة الفساد فى قطاعات مختلفة فى الدولة. مشيرًا إلى أن الواقعة التى ضبط فيها 25 مُتهمًا، تُعد مرحلة أولى؛ لأن المتهمين يعملون فى مواقع مختلفة بالبريد، وآخرين يعملون فى مواقع أخرى خارج الهيئة، منهم مواطنون من ذوى الأنشطة الإجرامية، وهما بالتالى بداية للكشف عن آخرين، متوقعًا أن تكشف تحقيقات النيابة متهمين آخرين لأننا نتحدث عن نحو 50 ألف تحويل.

 

 

الثراء السريع

 

 

ذكر عددٌ من الخبراء أن عددًا من الحكومات المتعاقبة لم يكن لديه الجدية فى محاربة جرائم الكسب غير المشروع، نتيجة التقاعس عن إصدار قانون «من أين لك هذا للمواطن وليس للموظف فقط»، وهو ما كان سببًا فى ظاهرة الثراء الفاحش والسريع، أثار الريبة فى المجتمع المصرى، وأدى إلى زعزعة الثقة فى مؤسّسات الدولة.

 

مكافحة الفساد

 

المستشار «أحمد سعيد خليل»- رئيس وحدة غسل الأموال، أكد خلال مشاركته فى المنتدى الإفريقى الأول لمكافحة الفساد فى يونيو الماضى، الذى افتتحه الرئيس عبدالفتاح السيسى، أن جريمة الفساد واحدة من أهم التحديات التى تواجه جميع الدول، وتعوق تحقيق الأهداف التى تسعى الدول لتحرير مهانة مليارات البشر من الذل والفقر. مشيرًا إلى أن الجريمة تكبد العالم نحو 2.6 تريليون دولار سنويّا، وباتت تشكل خطرًا حقيقيّا على التنمية الاقتصادية والاجتماعية فى أى الدولة. منوهًا أن الفساد يُعد من أهم عوامل طرد الاستثمارات وتآكل مالية الدولة وتردى الخدمات وانتشار الفقر وتنامى الدَّيْن العام.

 

ولفت إلى أن مكافحة الفساد تتضمن بُعدًا آخر يتمثل فى مكافحة غسل الأموال؛ حيث تقوم الشبكات الإجرامية بالنشاط فى غسل الأموال الناتجة عن عائدات الفساد بدافع إخفاء أنشطتها وتسهيل الدفع عبر سلاسل الإمداد غير القانونية وإخفاء الثروة غير المشروعة. موضحًا أنه توجد العديد من الحالات التى تتضمن الأدوات المصرفية فى تحويل تلك الأموال، كما تم تقديم أدلة على تهريب الأموال على نطاق واسع عبر الحدود البرّية ومن خلال المطارات؛ خصوصًا على متن الطائرات الخاصة والمستأجَرة؛ حيث قامت العصابات الإجرامية المنظمة بغسل أموال المسئولين الفاسدين من خلال تهريبها إلى دول الملاذات الضريبية الآمنة، لذلك فمن المهم التأكيد على استخدام النظم الرقابية الخاصة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب ومجابهة الفساد.

 

وشدد على ضرورة التأكيد على أهمية استرداد الموجودات كوسيلة لتوفير الموارد لتنمية الاقتصاد، وتستخدم كرادع للذين يُخبئون مكاسب غير مشروعة فى الخارج، ويمكن أن تقوم الدول بإعداد حوافز لإعادة الأصول الموجودة فى الخارج لبلدانها الأصلية، مثل التصالح أو الاتفاقات الدولية المتعددة الأطراف التى لها الغرض نفسه.

 

وقال «خليل»: إن وحدة مكافحة الأموال بالتعاون مع الجهات المعنية، اتخذت العديد من الإجراءات لمواجهة الفساد بشكل عام وغسل الأموال وتمويل الإرهاب بشكل خاص، سواء على مستوى النظام المالى والمصرفى من حيث إنشاء نظام شامل للرقابة والإشراف من أجل اكتشاف حالات غسل الأموال وتمويل الإرهاب ومكافحتها، ومن خلال إلزام المؤسّسات المالية بتطبيق النظم الكفيلة بإجراءات العناية الواجبة للعملاء وغيرها من القواعد والإجراءات ذات الصلة لمكافحة غسل الأموال، بالإضافة إلى ضمان تعاون الجهات المعنية وتبادلهم المعلومات على المستوى المحلى والدولى.

 

وأضاف: إن مصر قامت باتخاذ العديد من الخطوات التى تهدف إلى تشديد الرقابة على النقل المادى للأموال عبر الحدود؛ حيث إنشاء نظام إقرار على النقل المادى للنقد والأدوات القابلة للتداوُل عبر الحدود. مشيرًا إلى أن إنشاء المجلس القومى للمدفوعات الذى يُعد أكبر سُلطة على المستوى الوطنى لإدارة جهود الدولة نحو التحول أقل اعتمادًا على النقود يأتى فى هذا الإطار.