الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

صعود الليرة التركية إلى الهاوية!

يغيب عن الكثيرين أن الاقتصاد التركى مثقل بديون ضخمة، وذلك بسبب الدعاية التى يروجها حزب العدالة والتنمية وأتباعه فى المنطقة العربية، عن المعجزة الاقتصادية التركية.. بينما تعد الديون الخارجية أهم المؤشرات التى تكشف عمق الأزمة الاقتصادية التى تمر بها البلاد.



قبل أيام كشف تقرير المعهد المالى الدولى، أن أنقرة يمكنها فقط سداد نصف ديونها الخارجية قصيرة الأجل، البالغة أكثر من 120 مليار دولار، كما تصدرت تركيا قائمة الدول الأكثر احتياجًا للتمويل الأجنبى لسداد ديونها الخارجية.

فى الوقت نفسه يعانى الاقتصاد من تراجع واردات السلع الوسيطة بسبب الأزمة الاقتصادية والصادرات المتزايدة منذ 18 شهرًا، إضافة لتراجع الاحتياطى النقدى التركى.

 

ديون ضخمة

 

تقرير «المالى الدولى» ينفى ما قاله رئيس البنك المركزى التركى «مراد أويصال» فى أكتوبر الماضى، بأن الاحتياطى النقدى الأجنبى بلغ مستوى سيمكّن تركيا من سداد الديون الخارجية قصيرة الأجل.. فى حين أن الديون التركية الخارجية المصنفة ديونًا قصيرة الأجل وتستحق السداد بعد أشهر قليلة تبلغ 121.3 مليار دولار.

وتشير وكالة فيتش للتصنيف الائتمانى، إلى أن الدين السيادى لتركيا وصل إلى درجة خطرة، كما تم إدراجه ضمن الدرجة غير الاستثمارية، إذ بلغ حجم الدين الخارجى لتركيا نحو 440 مليار دولار، بزيادة حوالي 310 مليارات دولار خلال حكم حزب العدالة والتنمية، حيث كان قبل عام 2002 يبلغ 129 مليار دولار.

تشبه حالة التخبط التى تعانيها الليرة التركية، سيناريو الفيلم المصرى الشهير «الصعود إلى الهاوية»، والذى يسرد قصة الجاسوسة المصرية الشهيرة هبة سليم، التى ظنت أن بإمكانها الوصول لأحلامها سريعًا عبر العمالة والخيانة، لتكتشف فى النهاية أنها كانت تعيش فى حالة من الوهم.

الهبوط الحاد الذى تعانيه الليرة التركية أكبر دليل على فشل سياسة إردوغان، فالاقتصاد التركى فى طريقه لجنى أوزار السياسة الفاشلة للرئيس التركى فى منطقة الشرق الأوسط والعالم، فبمجرد التهديد التركى بعملية عسكرية فى إدلب السورية مؤخرًا، حتى بدأت العملة التركية فى الهبوط مرة أخرى.

وصلت الليرة التركية إلى أدنى مستوياتها فى التداولات العادية منذ مايو الماضى، نتيجة مخاوف المستثمرين من تصاعد التوترات فى منطقة إدلب السورية حيث تقترب أنقرة من مواجهة عسكرية هناك.

وسجلت الليرة تراجعًا مقابل الدولار بعد أن ضعفت إلى 6.1 فى معاملات الخميس الماضى، مقارنة بـ 6.0845 يوم الأربعاء، وذلك وسط أوضاع ما زالت هشة بعض الشىء بعد أزمة قلصت قيمتها إلى النصف خلال العام 2018.

 

تحديات اقتصادية

يواجه الاقتصاد التركى العديد من التحديات خلال الفترة الأخيرة، أهمها تراجع الصادرات التركية خلال العام الماضى نحو 2 مليار دولار من نحو 168 مليار دولار فى 2018 إلى 166 مليار دولار، نتيجة انخفاضها فى السوق الأوروبية ومنطقة التجارة الحرة لأمريكا الشمالية.

يأتى ذلك بالتزامن مع محاولات لعدد من الدول العربية وعلى رأسها المغرب ومصر وتونس لمراجعة اتفاقيات التجارة الحرة مع أنقرة، بهدف تعديل الميزان التجارى الذى يميل لصالح أنقرة.

ورغم حجم الصادرات الكبير لتركيا، فإن حجم الواردات يفوق قيمة الصادرات بكثير، حيث تبلغ الواردات التركية نحو 220 مليار دولار سنويًا، وهو ما دأبت على تعويضه من خلال عائدات السياحة والاستثمار الأجنبى، واللذان يواجهان ضغوطًا نتيجة تخبط السياسة التركية.

ووسط شكوك المستثمرين فى قدرة الليرة التركية على الصمود خلال الفترة القادمة، إذ انخفض الاحتياطى النقدى لدى البنك المركزى التركى بنحو 5 مليارات دولار دفعة واحدة خلال نوفمبر الماضى، ليصل لنحو 75 مليار دولار.

من جانبه صدق البرلمان التركى فى يوليو الماضى على قانون اقتصادى يتضمن تعديلات على توزيع الاحتياطيات القانونية، للبنك المركزى وعمليات إعادة هيكلة الديون.

ويجنب هذا القانون عشرة بالمئة بدلًا من 20 بالمئة من أرباح البنك المركزى كاحتياطيات قانونية، مع تحويل القدر المتراكم من السنوات السابقة إلى الخزانة.

 

يستهدف التعديل دعم ميزانية آخذة بالتدهور، إذ بلغ العجز 78.58 مليار ليرة (13.82 مليار دولار) فى الأشهر الستة الأولى من العام، بينما توقعت الحكومة عجزًا قدره 80.6 مليار ليرة بنهاية عام 2019.

 

رغم أنه من الطبيعى أن تبقى الاحتياطيات القانونية منفصلة عن احتياطى النقد الأجنبى للبنك المركزى، فإن القانون يلزم البنك بتجنيبها من الأرباح للاستخدام فى الظروف الاستثنائية، ما يشير إلى أن البلاد فى حال دخولها فى ظروف استثنائية فإنها لن تجد أموالًا للإنقاذ.

 

تاريخ الانهيارات

 

بالنظر إلى تاريخ الليرة التركية يتضح أنها محملة بماضٍ مليء بالانهيارات، إذ بدأت طباعة أقدم عملة تركية، فى العهد الجمهورى سنة 1927، ولكنها طُبعت بالحروف العثمانية، ثم طبعت من جديد بالحروف اللاتينية الحديثة سنة 1937، وكانت حينها من فئة 5 ليرات، وتحمل صورة الزعيم التركى كمال أتاتورك.

 

خلال فترة السبعينيات من القرن الماضى شهدت الليرة أول انهيار لها، نتيجة ارتفاع معدل التضخم وزيادة معدل الديون الخارجية للبلاد، وأطلق على السبعينات سنوات التضخم الاقتصادى الكبير وسنوات القحط، إذ عانت تركيا من الحظر الذى فُرض على النفط سنة 1974، بعد التدخل التركى فى جزيرة قبرص والذى أدى إلى فرض الحصار الاقتصادى ضد تركيا من قبل الدول الغربية، ما نتج عنه هبوط قيمة الليرة التركية إلى مستويات منخفضة للغاية.

 

وعلى أثر هذه الأزمة تم تداول جيل جديد من الليرة سمى بالجيل السابع، بداية من عام 1979، حيث اختفت العملات من فئة الألف ليرة، وبعد سنة 1980 أصبحت الألف ليرة تطبع كنقود قليلة القيمة، ومع استمرار الأزمة طبعت عملات من فئة 5 آلاف و10 آلاف ثم 20 ألفًا فـ 50 ألفًا و100 ألف مرورًا بـ 250 ألفًا ثم 500 ألف ليرة.

 

ذروة الأزمة

تعد فترة التسعينيات، أكثر الفترات التى شهدت فيها العملة التركية ذروة أزمتها، فمع تنحية الحكم العسكرى للبلاد عام 1982، دخلت تركيا مرحلة سياسية واقتصادية جديدة، ركزت فيها تركيا على الصادرات وأزالت القيود على الواردات وفتحت الباب للاستثمار الأجنبى.

 

بدأت الحكومة بعد ذلك فى تشجيع خصخصة القطاع العام ودعم القطاع الخاص، هذه السياسة التى أدت فى النهاية إلى أن البلاد عانت فى 1994، 1999و 2001 من أزمات اقتصادية حادة أدت إلى انهيار الليرة إلى أدنى مستوياتها وزيادة نسبة التضخم بشكل كبير.

 

ودفعت الظروف الاقتصادية السيئة فى النهاية لانهيار الحكومات عدة مرات، واستمر هذا الوضع حتى 2004، حيث نجحت حكومة حزب العدالة والتنمية فى خفض نسبة التضخم إلى نحو 9.4 % من نسبة تضخم بلغت 150 % فى عامى 1994-1995.

 

تعود اليوم تركيا لنفس المشكلة التى عانت منها طويلًا، بما يؤكد أن حكومات حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان، تنتهج نفس أساليب الحكومات السابقة فى معالجة الأزمة عبر سياسة المسكنات التى تعتمد على الاقتراض من الخارج، دون تغيرات هيكلية فى بنية الاقتصاد تعالج المشكلة.