الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

شواذ الفتوى.. وشيوخها!

لكل قاعدة شواذ.. ولكل فتوى أيضًا.. إلا أن نفرًا من المستشيخين جعلوا الاستثناء هو القاعدة.. وراحوا يمطروننا، صباح مساء، بشواذ الفتوى على أنها الحق المبين.. ثم جاءوا إلينا بعد ذلك يعتذرون! الاعتذار بعد فوات الأوان نوع من الكذب والوقاحة والتدليس، خاصة عندما يتعلق الأمر بتسميم عقول شابة وتدمير أجيال كاملة.. فما فعله شيوخ الفتنة والجهل والإرهاب لا يكفيه ألف اعتذار، بعد أن ضللت فتاواهم الشباب وأفرزت أجيالاً متطرفة مَنْ لم يتجه منها نحو التشدد والتدمير ارتمى فى أحضان دعوات الإلحاد.



ولكن يأبى القدر إلا أن يعطينا مزيدًا من الدروس حول المشايخ الذين تسببت فتاواهم فى تدمير أوطان وكانت وقودًا لكل العمليات الدموية الضخمة التى أخذت المنطقة كلها إلى حقبة من الاقتتال والتكفير وكبّدتها فاتورة اقتصادية باهظة وخسائر إنسانية كبيرة.

ندم متأخر!

مؤخرًا خرج علينا الشيخ أبوإسحاق الحوينى، متباكيا أمام جمع من تلاميذه، وهو يجلس على كرسى المرض فى العاصمة القطرية الدوحة التى يعالج فيها منذ سنوات، معلنًا عن ندمه فى مقطع فيديو نال انتشارًا واسعًا، قال فيه: «كل سُنة كنا نعرفها نعتقد أنها واجبة، ومكناش نعرف الفرق بين الواجب والمستحب، وإن فيه درجات فى الأحكام الشريعة.. فعرفت أنه عندما لم ندرٍ تدرج الأحكام الشريعة كيف جنينا على الناس، لم نكن ندرى درجات الأحكام الشرعية فأفسدنا كثيرًا بحماس الشباب».

وتابع الحوينى: «نادم على بعض كتبى الأولى، تمنيت أن بعض الكتب تتأخر شوية، وكنت بقول لازم أجود وأحط البصمة بتاعتى، علشان أبين إننى إمام ومحقق كبير، وحاجات بستحى منها كتير، إذا كتبت كلمة فى قرطاس خلاص راحت». واختتم الحوينى قائلاً: «لا أنكر أنى كنت متسرعًا، بحب الشهرة، طول ما أنا حىّ هصلح غلطى».

حسنًا، اعترف الحوينى بندمه وخطئه.. ولكن بماذا يفيد ذلك فى كل السموم التى ملأ بها عقول الناس وأضرّ فيها بإنسانيتهم بل دينهم ودنياهم .. بل إن الحوينى فى بعض فتاواه أضر باقتصاد بلده.. فمن أبرز تلك الفتاوى تحريمه إيداع الأموال فى البنوك، قائلا: البنوك الرباوية وضع الفلوس فيها حرام، لأن البنك ليس له عمل إلا الإقراض والبنوك لا تنفذ مشروعات.. بينما ردّت دار الإفتاء المصرية على هذه الفتوى بأن وضع المال فى البنوك فى ودائع أو حساب استثمارى أو شهادات استثمار، جائز شرعًا ولا شىء فيه، وأن هذه المعاملات البنكية، ليست من قبيل الربا لأن من يضع مبالغ مالية فى البنك فهو يمول مشروعات، وبالتالى يأخذ نسبة من أرباح هذه المشروعات.

كوارث الحوينى

فتاوى الداعية السلفى المسمومة لها باع طويل فى تخريب العقول، ففى مقطع فيديو آخر للحوينى يقول فيه: «إن أحكام الإسلام تقول إن جميع الموجودين فى البلاد التى نغزوها فى الغزوات الإسلامية أصبحوا غنائم وسبايا سواء نساء رجال أطفال، ومن لم يحضر الغزوة لا نصيب له فى الغنيمة، وهذا لا بد أن يقابله سوق النخاسة، وهو سوق بيع العبيد والسبايا، فأنا لو عندى سبايا ومزنوق فى قرشين أروح أبيعهم فى السوق، وهناك ذنوب فيها عتق رقبة، هنجيب منين رقبة نحررها لو مفيش سوق عبيد».. كما حرّم الحوينى فى إحدى فتاواه الالتحاق بكلية الحقوق؛ لأنها تدرّس قوانين وضعية يضعها الإنسان ولا يكترث بالقوانين الإلهية، ودافع الحوينى أن النقاب فريضة وأمر واجب على كل امرأة مسلمة؛ بل زاد الأمر سوءًا حينما شبه وجه المرأة بفرجها، قائلًا إن غطاء الوجه لا يقل أهمية عن غطاء الفرج.. واعتبر عمل المرأة حرامًا شرعًا، معتبرًا أن العمل سيجعل معاملتها مع الزوج قاسية.. كما أفتى بأن ختان الإناث سنّة لا تقبل التأويل.. وأثار جدلًا كبيرًا حينما حرم الاحتفال بأعياد شم النسيم، بل أوقع إثمًا على كل بائع يبيع البيض أو الأسماك المدخنة فى هذا اليوم، معتبرًا إياه إثمًا عظيمًا.. كما حرّم الموسيقى والغناء، قائلًا إن الموسيقى تجوز فى حالة واحدة وهى الأناشيد والابتهالات الدينية.

ومن أخطر ما ردده الحوينى تحريمه مشاركة المسلمين للأقباط فى أعيادهم قائلًا: «يُحرم على المسلم أن يشارك غير المسلم، من الكافرين فى أى عيد من الأعياد».. ونلاحظ هنا أن الحوينى اعتبر أى غير مسلم كافرًا ومنح دراويشه الضوء الأخضر لاعتبارهم كفارًا.. ثم يتعجب هؤلاء المشايخ عندما توجه إليهم سهام الاتهام بأنهم مشاركون، بل مسئولون بشكل رئيس عن كل عملية تفجير أو اعتداء وقع على كنيسة فى مصر.

فتاوى الجهل والدم

لم يكن الحوينى وحده الذى قدّم اعتذارًا على كوارث ارتكبها باسم الدين، فقد سبقه فى ذلك القطب السلفى محمد حسان حين قال: «أعترف أننا كدعاة إلى الله تبارك وتعالى طيلة السنوات الماضية وقع منا بعض الأخطاء فى الخطاب الدعوى وأسمعنا الناس بعض الكلمات التى لا يليق أبدًا أن تكون مرتبطة بمنهج أرق الدعاة وسيد الدعاة صلى الله عليه وسلم».. هكذا يبرئ حسان ذمته ويغسل سمعته من كل المصائب السوداء التى وقعت بسبب فتاواه.. فقد أكد أن الإنسان إذا وجد آثارًا فى أرضه أو منزله أو أى مكان يملكه فهى ملكه، فيُعدّ هذا رزقًا وكنزًا من عند الله ومن حقه أن يبيعها ويصرفها، وتكون أموالها حلالاً له، لافتًا إلى أنه إذا وجد أى آثار مجسدة فى صورة أشخاص فلا بد من طمسها.. وخرجت دار الإفتاء لترد على هذه الفتوى بتأكيدها أنه لا يجوز شرعًا المتاجرة بالآثار أو التصرف فيها بالبيع أو الهبة أو غير ذلك من التصرفات، إلا فى حدود ما يسمح به ولى الأمر وينظِّمه القانون ما يحقق المصلحة العامة، حتى ولو وجدها الإنسان فى أرض يمتلكها؛ فانتقال ملكية الأرض لا يستتبع انتقال ملكية المدفون فى الأرض من الآثار، ومِن ثَمَّ يكون ذلك الأثر «مال عام».

وتضمنت الفتاوى الشاذة السلفية فتوى تحريم تولى المرأة مناصب قيادية وعلى رأسها منصب الوزيرة، ففى وقت سابق أصدر الداعية السلفى سامح عبدالحميد، أحد تلاميذ الشيخ ياسر برهامى نائب رئيس الدعوة السلفية فتوى بتحريم تولى المرأة لمنصب وزير.

أما القطب السلفى الشهير محمد حسين يعقوب فقد بدأت رحلة فتاواه فى المتاجرة بالدين بصكوك الجنة منذ استفتاء 19 مارس عام 2011 عندما قرر الشعب ولأول مرة أن يكون اختياره حرًا، أصرّ يعقوب على أن يقحم الدين فى السياسة والجنة بنعم والنار بلا، ووقف حينها يعقوب وصاح: الدين هيدخل فى كل حاجة، مش دى الديمقراطية بتاعتكم، الشعب قال نعم للدين، واللى يقول البلد ما نعرفش نعيش فيها أنت حر، هاجر مع ألف سلامة، عندكم تأشيرات كندا وأمريكا.

فتاوى يعقوب طالت كذلك الإعلام والفن والتليفزيون ووصف الفنانين والإعلاميين بأهل الباطل، الذين يتعمدون إفساد شهر رمضان سنويًا، مضيفًا أن أهل الدعوة فى حاجة إلى المزيد من التضحيات حتى ننتصر على «أهل الباطل»، الذين يقدمون تضحيات كبيرة بالمال والوقت والجهد من أجل إفساد رمضان. ومن بين الفتاوى الشاذة ما نطق به ياسر برهامى، نائب رئيس الدعوة السلفية، بأنه يجوز للزوج ترك زوجته لمن يغتصبها إذا خشى على نفسه الموت، متناسيًا أن الموت دفاعًا عن الزوجة والأهل مرتبة من مراتب الشهادة. وتأتى أيضًا فتوى سامح عبدالحميد، الداعية السلفى، بتحريم القيام عند تحية العلم، ولا ننسى الفتوى المريضة التى أطلقها مرجان الجوهرى، القيادى بالحركة السلفية الجهادية، بإباحة هدم الأهرامات وأبوالهول، لأنها تعد أصنامًا!

نتائج مفزعة

أمام كل تلك الفتاوى الشاذة كشف المؤشر العالمى للفتوى (GFI)، التابع لدار الإفتاء المصرية، أن مجموعة من الفتاوى تسببت مؤخرًا فى حدوث تفكك فى أواصر الترابط بين أبناء الوطن الواحد، مؤكدًا أن فتاوى الإخوان والسلفيين احتلت المرتبة الأولى فى التحريم، ورصد المؤشر العالمى للفتوى عينة من تلك الفتاوى قوامها (3000) فتوى على مستوى العالم، تمثل القطاعات الرسمية وغير الرسمية بجانب التنظيمات الإرهابية، وبتحليل فتاوى العينة المرصودة تبيَّن انشغال تلك التيارات بقضايا من شأنها إحداث خلل فى نسيج الوطن الواحد.

وأشار مؤشر الفتوى العالمى إلى مجموعة من الفتاوى المتطرفة مثل فتوى «حسين مطاوع» السلفى حين قال: «إذا كنا نقول ببدعية الاحتفال بالمولد النبوى وننكر على مَن يحتفل به لمخالفة ذلك سنَّة النبى صلى الله عليه وسلم وفعل صحابته والتابعين من بعده، فكيف بمن يشارك المسيحيين احتفالهم بميلاد ابن الرب؟!»، وفتوى السلفى المصرى «سامح عبدالحميد»: «يجوز تهنئة المسيحيين بمناسباتهم الدنيوية وليس الدينية، والكريسماس من جملة شعائرهم الدينية، والمشاركة فيه حرام ومنكر عظيم، ويحرُم الاشتراك فيه بأى شكل، فلا يجوز تقديم الهدايا، وتبادل التهانى».. أما الإرهابى «وجدى غنيم» فقال: «إن المسيحيين كفار لا يجوز تهنئتهم بمناسباتهم الدينية».

وفى قراءة استشرافية لمدى تأثير الفتاوى المتشددة وغير المنضبطة على الجاليات المسلمة فى الغرب؛ نبَّه المؤشر على أن مثل تلك الفتاوى التى تُحرِّم الاحتفال بالكريسماس تستعدى الآخرين على المسلمين، وتكرِّس وتنمى ظاهرة (الإسلاموفوبيا).. وخلال كلمته فى الجلسة الختامية لمؤتمر الإفتاء العالمى «التجديد فى الفتوى بين النظرية والتطبيق»، عرض طارق أبوهشيمة، رئيس وحدة الدراسات الاستراتيجية بدار الإفتاء المصرية، حجم الفتاوى المنضبطة وغير المنضبطة التى رصدها المؤشر العالمى للفتوى، وقال: إن فتاوى بعض السلفيين، مازالت تمثل صداعًا فى رأس العديد من الدول و50 % منها تسيطر عليه كلمة حرام.. وقال أبوهشيمة إن المؤشر رصد أن 85 % من الفتاوى التى تستخدمها الجماعات المتطرفة سياسية لشرعنة العنف.