الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

كيف يستعيد «طويل التيلة» عرشه؟

«نوّرت يا قطن النيل»، بكلمات حسين المانسترلى، وغناء محمد أفندى صادق، ابتهج الفلاحون فى ربوع المحروسة بتكليف الرئيس عبدالفتاح السيسى، حكومة الدكتور مصطفى مدبولى بوضع خطّة عاجلة لإعادة القطن المصرى إلى عرش العالمية من خلال تحديث وإعادة هيكلة مصانع الغزل والنسيج؛ لتشهد مصر الجديدة نهضة زراعية تعيد إلى الأذهان طلب وزير الخارجية الأمريكى، آنذاك، جون فوستر دالاس، من الرئيس الراحل جمال عبدالناصر فى مايو 1953 «أن تقدم مصر بادرة حسن نية لمساعدة الرئيس الأمريكى وايت أيزنهاور، عبر تقليل إنتاج القطن المحلى طويل التيلة؛ لأنه ينافس نظيره المنتج فى ولايات الجنوب الأمريكى»، وهو ما قابله جمال «بفتح فمه» من غرابة الاقتراح!



 

 

مطالب ومصاعب

تكليفات وتوجيهات رئيس الجمهورية مؤخرًا للحكومة، ربّما الحكومة لم يكن لديها رؤية كاملة لتحقيقها، وكأنها لم تكن تتوقعها، حيث إن تحركات الوزارات المسئولة عن هذا الملف لم تكن متناسقة، وسارت بمنطق الجزر المنعزلة وفق ما أكده خبراء لـ«روز اليوسف». فعلى الرغم من وضع وزارة قطاع الأعمال خطة لتحديث مصانع الغزل والنسيج، فقد أكد خبراء أن الوزارة فشلت فى الإيفاء بتعهداتها بشراء القطن المصرى طويل التيلة من الفلاحين بأسعار معقولة، ما أدى إلى تقلص مساحة الأراضى المزروعة بالذهب الأبيض بنحو 100 ألف فدان، العام الماضى، وهو ما يكشف غياب رؤية الحكومة للنهوض بالزراعة المصرية، وتجاهل ضرورة دعم الفلاحين، من خلال سياسة واضحة لشراء وتسويق المحاصيل الاستراتيجية بأسعار تحقق لهم هامش ربح مناسب. وعلى الرغم من تنفيذ وزارة قطاع الأعمال خطة لتطوير صناعة الغزل والنسيج منذ أكثر من عامين، غير أن المتابع لا يرى أية نتائج ملموسة لهذه الخطة على التوسّع فى زراعة القطن المصرى «طويل التيلة»، حيث أعدت وزارة قطاع الأعمال خطة لتطوير صناعة الغزل والنسيج، تبدأ من إعادة تحديث أكبر مصنع للغزل بمدينة المحلة الكبرى، ليكون الأكبر فى العالم، بالتعاون مع الشركة القابضة للغزل والنسيج وشركة ريتر السويسرية، ويتضمن البرنامج إنشاء عدد من المصانع فى مناطق مختلفة بأنحاء مصر، على أن تكون البداية من مصنع المحلة الذى يحتوى على خط إنتاج (خيط طرف مفتوح)، وإحدث خطوط إنتاج للتفتيح والتنظيف، وتعتمد ماكينات خطوط إنتاج المصنع على القطن طويل التيلة.

 

أحلام وزير.. والتركة الملعونة

تعانى غالبية شركات الغزل والنسيج، التابعة للشركة القابضة منذ سنوات، حالة من التدهور وتراجع الإنتاج، ما جعل الحكومات المتعاقبة تسارع فى وضع خطط متتالية لتطويرها، إلى أن اعتمدت وزارة قطاع الأعمال خطة التطوير التى وضعها مكتب وارنر الأمريكى الاستشارى المخوّل له تقييم حالة شركات الغزل والنسيج والقطن. فى نهاية العام الماضى، كان هشام توفيق، وزير قطاع الأعمال العام، صرح بأن الشركة القابضة ستخاطب مؤسسات تمويل عالمية للحصول على قروض لتمويل بعض أجزاء خطة التطوير، بمبالغ تصل لـ500 مليون دولار، لتبدأ الوزارة بالتعاون فعليًا مع وزارة الزراعة رحلة تطوير منظومة زراعة وتداول القطن المصرى، ليرسو قطار الأحلام فى 2019 على رصيف محطتى بنى سويف والفيوم.

 

21 مليار جنيه تكلفة تطوير شركات الغزل

21 مليار جنيه حجم التكلفة الاستثمارية لخطة التطوير، ممثلة فى تحديث البنية التحتية للمصانع من خلال مكتب استشارى هندسى للأعمال الإنشائية، والتعاقد على توريد أحدث الماكينات والمعدات، إضافة إلى التعاقد مع استشاريين للنواحى المالية والتسويق والموارد البشرية، حيث تستهدف الخطة تحقيق التخصص فى الأنشطة الإنتاجية للشركات، و3 مجمعات صناعية متكاملة، وتخصيص 3 مراكز للتصدير، بجانب تدشين 3 مراكز للتدريب الفنى للعاملين. لكن هذه الخطة تتعرض لانتقادات، خاصة أن توفير التمويل جاء نتيجة لبيع أراضى عدد كبير من المحالج المهمة التى تمتلكها الشركات لسداد ديونها للبنوك العامة، خاصة أن الحكومة نفسها أسقطت مديونيات بعشرات المليارات عن المصانع المتعثرة التابعة للقطاع الخاص.

 

خبير: القطن المصرى الأفضل عالميًا.. وغياب التنسيق أضر بسمعتنا

يبدو أن هذه الخطة كان بها الكثير من القصور، الذى دفع كثيرا من خبراء الزراعة إلى انتقادها لافتقارها التنسيق بين الوزارات المختلفة، خاصة وزارتى قطاع الأعمال والزراعة، ليقول الدكتور محمد عبدالمجيد، رئيس مجلس القطن والألياف التابع لوزارة الزراعة، إن القطن المصرى لا يزال هو الأفضل عالميًا، وذلك بفضل مركز البحوث الزراعية والعاملين به، مؤكدا أن الذهب الأبيض ما زال متربعًا ومتفوقا على جميع أقطان العالم ولا يضاهيه محصول آخر. ولفت إلى أن هناك فرق بين كمية ونوعية القطن التى ننتجها، مؤكدًا أن مصر ليست دولة كبيرة لإنتاج القطن تاريخيًا، لكنها منتجة لأفضل نوعية فى العالم من المحصول التاريخى، مشددًا على أن سلالات القطن المصرى طويل التيلة لم تتغير، لكن معهد بحوث القطن قام باستنباط أصناف من عينة جيزة 1إلى جيزة 98 وغيرها، مشيرًا إلى أن تقاوى القطن تنتج دون غيرها من تقاوى الحاصلات الزراعية عن طريق وزارة الزراعة، فقط، بنسبة 100 %. وعن إمكانية عودة القطن المصرى لسابق عهده، قال عبدالمجيد إن هذا الأمر ممكن بالطبع، لكن شريطة اتخاذ وزارة  قطاع الأعمال إجراءات واقعية تحقق ذلك من خلال وضع سعر مُجز للقطن وإعلان سعره قبل الموسم الزراعى، منوها إلى أن القطن المصرى هو المحصول الوحيد الذى لا يعرف الفلاح سعره قبل زراعته. وانتقد الخبير الزراعى خطة التطوير التى تقوم بها وزارة قطاع الأعمال فى مصانع ومحالج القطن، حيث إنها تسعى لبيع كثير من المحالج، بحجة أنها لم تعد صالحة للاستخدام، فى حين أننا نطالب بالتوسع فى زراعة القطن طويل التيلة وتحديث الصناعة، أى أننا فى حاجة ماسة للمحالج كافة «كان من الأولى أن تحصل المنتجات المصنعة من القطن المصرى على الدعم التصديرى، فكل المنتجات التى تحصل على الدعم عبارة عن منتجات مصنعة من أقطان غير مصرية (قصيرة التيلة)، وتصدّر للخارج تحت اسم صنع فى مصر وهو يَضرّ بسمعة القطن المصرى الذى عرفت مصر طوال تاريخها بجودة صناعته».

 

نقيب الفلاحين: جهود الحكومة «غير مرضية»

 

بدوره، قلل حسين أبو صدام، نقيب الفلاحين، رئيس المجلس الأعلى للفلاحين، من جهود الحكومة فى ملف زراعة القطن مؤكدًا أنها «غير مرضية»؛ نظرًا لتجاهلها أهم عامل لإنجاح هذه المنظومة، وهو ترغيب الفلاحين لزراعة القطن طويل التيلة، عبر توفير التسويق والشراء بسعر مناسب يحقق هامش ربح للمزارعين. ورصد أبوصدام طرق تحقيق مطالب الرئيس من خلال العودة إلى نظام الزراعات التعاقدية، بحيث يتم الاتفاق مع المزارعين على أسعار مرضية لزراعة القطن، خاصة أن محصول الأرز هو البديل للذهب الأبيض، ومن المعروف أن الأرز محصول مربح وسهل التسويق بالنسبة للفلاحين، وهو ما يجعلهم يقبلون على زراعته. ووجه رئيس المجلس الأعلى للفلاحين سهام نقده لسياسة وزارة قطاع الأعمال فيما يخص زراعة القطن، قائلا إن «الوزارة بدأت بالحلقة الأخيرة المتمثلة فى تحديث المصانع التى تستغرق سنوات، فيما أهملت الفلاح الذى يزرع المحصول وينتظر عائده». وتوقع نقيب الفلاحين أن يشهد موسم زراعة القطن هذا العام أقل مساحة فى تاريخ زراعته فى مصر بعد فشل وزارة قطاع الأعمال فى ضمان سعر مربح للقطن المصرى العام الماضى والذى وصل فيه القنطار لـ2200 جنيه بعد أن كان 2700 جنيه خلال 2018. وشدد أبو صدام على أن تقليص مساحة زراعة القطن إلى 220 ألف فدان فى 2019 بنقص قرابة 100 ألف فدان عن 2018 كان قتل متعمد، لافتًا إلى أن مصر التى كانت تزرع مليونى فدان فى خمسينيات القرن الماضى عجزت عن تسويق إنتاج 236 ألف فدان خلال العام المنصرم، بل ولم تف الحكومة بشراء القطن من الفلاحين بسعر الضمان، الذى كانت قد أعلنت عنه وهو 2.700 جنيه لقنطار القطن وجه بحرى، و2500 جنيه لقنطار القطن لوجه قبلى، مخالفة بذلك المادة 29 من الدستور التى تنص على التزام الحكومة بشراء المحاصيل الأساسية من الفلاحين بهامش ربح، ليستغل السماسرة والتجار تخلى الحكومة عن القطن، ليقوموا بشرائه من الفلاحين بأقل الأسعار، ما أدى إلى عزوف غالبية الفلاحين عن زراعة القطن العام الماضى، وهو ما يهدد مستقبل المحصول الاستراتيجى الأول فى مصر.

 

تحرك برلمانى

مجلس النواب لم يكن بعيدًا عما يشغل بال الفلاحين فى صعيد ودلتا مصر، ففى الجلسة العامة الأسبوع الماضى، ناقش «سيد قراره» طلبات الإحاطة والأسئلة وطلبات المناقشة العامة الموجهة للسيد القصير، وزير الزراعة، والتى وصلت إلى 130 طلبًا وسؤالا بعد أيام من مطالبة وتكليف رئيس الحكومة بإعادة الحياة إلى القطن المصرى، فى تحرك أثار توقيته تساؤلات الكثيرين حول ما إذا كان ذلك مجرد دعاية انتخابية لأعضاء يرغبون فى إظهار نشاطهم قبل الانتخابات البرلمانية المرتقبة. وطالب عدد من النواب الحكومة بوضع خطة للنهوض بزراعة القطن والحد من الاستيراد، وتطوير صناعة الغزل والنسيج، مع بضرورة إزالة العراقيل والعقبات أمام التوسع فى زراعة القطن وزيادة إنتاجيته، داعين البنك الزراعى لتبنّى مبادرات دعم الفلاح على غرار مبادرة البنك المركزى لدعم المصانع المتوقفة والمتعثرة وسياسة الحكومة بشأن شراء وتسويق محصول القطن.

 

مكاسب اقتصادية: توفير كمية من حصة مصر المائية

لا تقتصر مكاسب زراعة القطن (طويل التيلة) على مجرد تشغيل المصانع العامة، فقط، بل إنها تتضمن مكاسب عديدة  حيث إنها توفر كميات كبيرة من حصة مصر المائية، كما تساعد فى خفض واردات مصر من الزيوت والأعلاف وتزيد من إنتاج البلاد لعسل النحل الذى انخفض بشدة بعد تدهور زراعة القطن. وقال الدكتور هشام مسعد، مدير معهد القطن، إن المعهد نجح فى إنتاج الأصناف الجديدة والهجن المبشرة المتميزة فى صفات المحصول والجودة والمبكرة النضج والموفرة لمياه الرى، موضحًّا أنه تم التوسع فى زراعتها خلال الموسم الحالى، مضيفًا أن هذه الأصناف توفر ما لا يقل عن 20 % من كميـة ميـاه الرى وأن فترة بقاء المحصول فى الأرض من 150 – 160 يومًا من الزراعة، وبالتالى يمكن زراعة المحاصيل الشتوية عقب القطن دون تأخير هذه الأصناف، وهى (جيزة 94 وجيزة 95 وجيزة 96).