الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

العائدون من الزواج!

من منا لا يشعر بحنين إلى الماضى.. وإلى أيام الصبا والشباب وإلى الذكريات الجميلة والمشاعر البريئة وحكايات الحب القديم.. ولكن هناك من لا يكتفى بالحنين والذكريات.. بل من يحاول أن يعيد الماضى وخاصة فيما يتعلق بالحب القديم.. فنجد كثيرًا من الرجال يبحثون عن (حبيبة زمان) ويحاولون إحياء قصة الحب القديمة من جديد خاصة لو وجدوا حبيبة زمان غير متزوجة.. مطلقة أو أرملة.



 

اللوحة والقصيدة

التقت به فى  بداية حياتها.. مهندس شاب جاء مع أحد أصدقائها فى أول معرض  أقامته   كفنانة تشكيلية.. أعجب بفنها واشترى لوحة.. وتوطدت علاقتهما بعد ذلك وعرفت أنه شاعر أيضًا  يكتب الشعر العمودى لكنه لم ينشر داووين.. وكانت تحب الشعر فأصبح يقرأ لها كل ما يكتبه ليأخذ رأيها، وكانت أيضًا تأخذ رأيه فى أعمالها الفنية.. ويظلان بالساعات الطويلة يتحدثان فى التليفون  فالحوار بينهما لا ينقطع.. فيتحدثان فى كل شىء بلا ملل فى الشعر فى الرواية فى الفن فى الحياة.. فدائمًا لديهما ما يتحدثان فيه.. كما كان يتذكر عيد ميلادها حتى لو كان مسافرًا خارج مصر.. يتصل بها ويرسل لها باقة زهور.. وكانت تنتظر أن يفاتحها فى الزواج لكنه لم يفاتحها رغم أن اهتمامه ومواقفه ونظراته تؤكد حبه لها.. كما أنه عرفها بعائلته.. حتى أن والدته تتصل بها وتسلم عليها من حين لآخر.

وفجأة يختفى عنها ويسافر إلى الخليج وتعرف أنه تزوج.. وتتزوج بعده بعام وتنفصل عن زوجها دون أن تنجب.. وبعد سنوات طويلة تمتد إلى الخمسة عشر عامًا تتلقى مكالمة تليفونية ويقفز اسمه وصورته على شاشة المحمول.. مما أصابها بالدهشة.. وتتساءل ماذا يريد مني؟.. وهل ما زال يتذكرني؟ وتردد فى الرد على التليفون.. إن اسمه الذى يظهر أمامها أصابها بالارتباك.. وتتمالك نفسها وترد عليه..

ولكنه حين يسمع صوتها.. يشعر أن قلبه يخفق من جديد.. وكأن حديثهما لم يتوقف يومًا.

لم يستغرق وقتًا طويلًا فى مقدمة تليق بغيابه الطويل لكنه يفاجئها بطلبه:

أريد أن أتزوجك؟

ما تفوه به أصابها بدهشة أكبر

لكنه ظل يستطرد دون أن يسمع ردها:

لم أندم فى حياتى كندمى لأننى لم أتزوجك.. كنت أحبك وأشعر بحبك لى أيضًا.. وكنا نكمل بعضنا فى كل شىء ورغم ذلك كنت دائمًا أقف ضد رغبتى فى الزواج منك وكنت أقاوم حبى لك.. خاصة  بعدما أقنعنى أحد أصدقائى بأن أتزوج من سيدة متفرغة للبيت ولا أتزوج من فنانة مشغولة بفنها ونجاحها وليس لديها وقت للبيت ولا تربية الأبناء.. وقد أوهمت نفسى أن الزواج شىء والحب شىء آخر.. وتزوجت  بطريقة تقليدية.. وظللت أتذكرك فى كل موقف تخذلنى فيه زوجتى وكيف أنك كنت تشاركيننى مشاركة حقيقية فى كل شىء فى حياتى.. أما زوجتى فلا تحب الشعر أصلًا ولا ترق للفنون.. وتضيق بى حين ألقى قصائدى أمام أبنائى الثلاثة.. مما جعلنى أنصرف عن كتابة الشعر.. وأركز فى وظيفتى فقط لأتفوق فيها وأحصل على مزيد من المكافآت والحوافز.. من أجل توفير طلباتها والأبناء التى لا تنتهى.

كانت تسمعه على التليفون  بينما دموعها تنهمر بلا توقف.. لقد أضاع أجمل أيام عمرهما وعمره  بغبائه وازدواجيته كرجل يخشى المرأة المثقفة حتى لو كانت حبيبته.. ويتزوج بأخرى لا تفهمه ولا تحبه.. ثم يأتى نادمًا بعد أن أهدر أجمل سنوات العمر وبعد أن ترك حبيبته دون أن يفكر كيف تكون حياتها بدونه وهو يدرك جيدًا مدى تعلقها به.. فيتساوى الرجال وتتزوج بآخر لتجنى التعاسة والندم.. والآن يحن لحبه القديم ويريد أن يحييه من جديد.

لم تعلق على كل ما ذكره ولم تناقشه أو تعاتبه لكنها ترفض الزواج من حبيبها العائد.. وتقول له: لقد تغير كل شىء.. ولم تعد أنت فارس الأحلام.

المليونير الوحيد

حين يراها.. تتسع ابتسامته وتلمع عيناه  وتتهلل ملامحه ويبدو فرحًا سعيدًا.. تلك  السعادة التى تصنعها رؤية الأحباء.. فهى تعلم أنه يحمل لها مشاعر.. وهى أيضًا تحمل له نفس المشاعر.. ولكن ليس أكثر من ذلك.. فلم تكن هناك فرصة ليتطور الشعور بينهما رغم أنها غير متزوجة.. لكنه كان متزوجًا.. وزوجته جميلة.. لقد شهدتها فى صور تجمعها بزوجة خالها.. حيث إنه صديق مقرب لخالها.. ويحرص أن يدعوه فى المناسبات العائلية.. وقد التقت به ثلاث أو أربع مرات فى مستهل عمرها.. وفى كل مرة كانت تضبطه متلبسًا بالنظر إليها.

وتعرف أخباره مصادفة من كلام خالها عنه.. لقد أنجب بنتين.. وحقق تقدمًا ملحوظًا فى حياته العملية.. كما كون ثروة كبيرة.. واشترى مستشفى.. ويعيش فى فيلا فى مدينة الرحاب.. ويمتلك شاليهًا بمارينا.. كما أن لديه سائقًا خاصًا لقضاء مشاويره..

وتتمنى لو تراه.. بالتأكيد إنه سعيد بعد كل هذه النجاحات التى حققها.. وربما اتخذ  شكل الأغنياء رجال الأعمال الذين أصبحوا  ينافسون نجوم السينما فى الاهتمام بأنفسهم  ولياقتهم وأناقتهم.. فكلما كبروا ازدادوا شبابًا ونضارة.. وربما يكون قد طاف العالم بصحبة زوجته الجميلة وابنتيه!

وتتساءل فى نفسها:

ترى هل ستلمع عيناه عند رؤيتى كما كانت تلمع فى الماضي؟

ويمرض خالها.. وتذهب مع زوجته إلى َمستشفى صديقه القديم طبيب القلب.. لتجده فى استقبالهما.. لقد تغير كثيرًا ولم يعد وسيمًا كما كان.. فيبدو مرهقًا نحيفًا يرتدى نظارة طبية على عينيه تزيده عمرًا على عمره..وبالرغم من  انزعاجه على صديقه المريض إلا أنه لم يستطع أن يخفى تلك اللمعة فى  عينيه عند رؤيتها.. كما  يطلب رقم تليفونها.

وبعد مغادرتهما للمستشفى.. تسأل زوجة خالها: هل الطبيب صديق خالى مريض أيضًا؟

تخبرها أنه مريض بالسكر والضغط ولديه مشاكل فى الكبد..

تقول بحزن: باب النجار مخلّع.. فتقول زوجة خالها: إنه تعس فى حياته.. يعيش فى مشاكل زوجية منذ بداية زواجه تقريبًا.. وقد انفصل عن زوجته ثم عاد إليها من جديد من أجل بناته.. إنهما مختلفان فى كل شىء.. فهى مادية استغلالية كل ما يشغلها أن تأخذ كل ما تستطيع أخذه من المال.. كما أنها تسىء معاملة أهله وتقاطعهم.. فلم يعد أحد من عائلته يدخل بيته.. وكثيرًا ما تسبب له حرجًا أمام أصدقائه فتتدخل فى شئونهم.. وتحكى لهم عن مشاكلها الشخصية مع زوجها لهم مما يشعره أنه يسير عاريًا بينهم.. وتزداد علاقتهما سوءًا يومًا بعد الآخر حتى فقد الاحترام بينهما.. ووصل شجارهما للشتائم والضرب. وفى اليوم التالى وقبل أن تبادر بالاتصال به.. يتصل بها.. وتجده يطيل الحديث وينتقل من موضوع لآخر.. وهى تسمعه بحماس وتبادله الحوار بحماس أكبر..

ويتصل فى اليوم الذى يليه  أيضًا.. ويستمر الحوار طويلًا.. ويخبرها خلاله  بأمر لم تكن تعرفه أو تتوقعه.. لقد أكد لها أنه قبل زواجه  كان قد طلبها للزواج من خالها.. لكن خالها صديقه أخبره أنها مرتبطة ومقروء فاتحتها.. ويواصل حواره ويعترف لها بحبه لها منذ النظرة الأولى التى شاهدها فيها يوم زفاف خالها.

وتشعر بالغضب الشديد من خالها.. لقد كذب عليه.. فلم تكن مرتبطة.. ولم تقرأ فاتحتها.. لماذا فعل ذلك؟.. كان يجب أن يخبرها ويأخذ رأيها.. لقد حرمها من أول إنسان تعلقت به روحها منذ النظرة الأولى.. فرأته النصف المكمل لها.. والآن وبعد أن تحدثت معه تأكدت من شعورها.. نعم إنه نصفها الآخر.. إنهما يتفقان فى كل شىء.. ويتشابهان فى أمور أساسية.. حتى ميولهما مشتركة.. ويحب الناس والحياة الاجتماعية والسفر والمرح مثلها.. إنه إنسان حقيقى.. تتجسد به كل المعانى الإنسانية النبيلة التى تمنتها فى شريك حياتها إنه يطعم الحيوانات ويحنو على الأطفال ويساعد الفقراء.. إنه بالفعل نصفها الآخر الذى حرمها خالها منه.. ولا تعلم لماذا فعل ذلك.. ربما يغير منه أو يحقد عليه لأنه  يتفوق عليه فى كل شىء.. فكم تسبب فى تعاستها وتعاسة  صديقه أيضًا.. ربما لو تزوجها ما عرف كل هذه التعاسة التى يمر بها.. وربما لو تزوجته لأنقذها من تلك الحياة الصعبة التى تعيشها.. ومن أنصاف الرجال الذين يتطفلون على حياتها.. ومن هؤلاء الذين تقدموا للزواج منها فلم تجد بينهم من يكملها أوتكمله..

والآن وبعد كل هذه السنوات.. تجد أمامها نصفها الحقيقى حزينًا محطمًا.. يعيش مع نصف لا يشبهه ولا يكتمل معه.. يسمى الزوجة.. ويعترف أنها أرهقته وأتعبته   وأمرضته أيضًا.

فتتساءل فى حيرة: وما جدوى الاقتراب الآن؟! فما أصعب أن تلتقى بالنصف المكمل لك بعد فوات الأوان.. بعد أن نال منه الزمن والحزن والمرض والظروف.. بعد أن استنفد  شبابه وأجمل سنينه مع نصف لا يشبهه.. فأرهقه وأتعبه وسرق عمره.