الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

والله زمان يا كتابى

كل شىء بدا مبهجًا منذ لحظة عبور البوابة الرئيسية لـ «معرض القاهرة الدولى للكتاب» القرّاء يتوافدون من كل حدبٍ وصوب لشراء الكتب التى يريدونها، داخل مصر وخارجها. طلبة وباحثون وهواة، وكُتاب مبتدئون، وأطفال أيضًا، كل منهم جاء لغرض فى نفسه، لكنهم اجتمعوا على شىء واحد وهو حب القراءة والعلم. من بين الكثيرين فى المعرض هناك فئة قليلة اعتادت على المشاركة فيه منذ حقبة الثمانينيات والتسعينيات، حتى باتوا من أقدم البائعين هناك، ورغم نقل المعرض لأكثر من مرة فإنهم مازالوا يحتفظون بذكرياتهم معه طيلة حياتهم وكواليس البيع والشراء والإقبال فى هذه الفترة.



صابر «34 سنة معرض» وزبائنه من أمريكا وفرنسا

 

يجلس على كرسى خشبى، يرتدى نظارة عريضة، يتفحص بعض الكتب المرصوصة على الطاولة أمامه، ويستلم من زبائنه ثمن الكتب التى اشتروها. يقترب منه رجل ثلاثينى على وجهه معالم الاستياء: «ألاقى عندك كتاب القواعد الأساسية للنحو يا حاج»، فأجابه: «ده هتلاقيه فى مخزن وزارة التربية والتعليم يا بنى، فى المنطقة اللى إنت ساكن فيها، شوف وأشتريه من المدرسة»، فبادره قائلًا: «كان عندى كتابين وابنى ضيعهم. الله يهديه»، مرّ الرجل بسلام ليستكمل رحلته بالمعرض، وعاد البائع إلى عمله وزبائنه من جديد. «صابر محمد عبده» 68 عامًا، هو البائع الأقدم فى معرض الكتاب وتحديدًا «سور الأزبكية»، كان من أول المشاركين فى معرض القاهرة الدولى للكتاب حينما كان مقره بالأوبرا قديمًا، وحينما نُقل إلى أرض المعارض أيضًا، يقول: «بشارك فى المعرض من التمانينات، التنظيم دلوقت أحسن من زمان كتير، فى الأول الطلبة كانوا بيحبوا العالم أكتر، الزبون كان يشترى الكتب ويشيلها ويبقى فرحان جدًا، دلوقت بيقلب فى الكتاب وخلاص من غير ما يفهم حاجة ويشترى». يؤكد الرجل الستينى أنه يهتم ببيع الكتب القديمة فقط، فى مجالات السياسية والاقتصاد والفلسفة والرياضة والأدب، إضافة إلى الكتب الأجنبية التى يأتى إليها زبائن من أمريكا وفرنسا وروسيا وإيطاليا وألمانيا: «بعرف اتكلم كل اللغات دى، أرحب بيهم وأبيع ليهم كمان، لكن الكتب الجديدة مش بحبها ولا معترف بيها، ربنا خلق الكون لخدمة البشر، أنا بحب الحاجة اللى تخدم الناس، بحب الحاجة اللى فيها وفكر ومعلومات، زمان الزبون كان بيحب الكتب بيقرأ بحب ونهم عشان يتعلم، لكن دلوقت ممكن يكون بيقرأ غصب عنه». لدى «صابر» 4 أبناء، يبدأ يومه فى المعرض من الـ 10 صباحًا حتى الـ 8 مساءً، مشيرًا إلى أنه يقطن بالقرب من مستشفى «أحمد ماهر»، ويضيف: «فى زبائن عرب جم ونسبة الشرا كويسة، بنقول يا هادى، زمان كان توت عنخ آمون رمز العلم والمعرفة، كل شىء فى الدنيا علم، اللبس والأكل وكل حاجة معمولة بالعلم، فأنا بنصح الشباب كلهم بالعلم».

 

«مصطفى» يترحم على ذكرياته مع «يوسف القعيد» و«فاروق شوشة»

 

حالة من الهدوء تكسو الركن الذى يجلس فيه داخل الجناح الخاص بـ«سور الأزبكية»، يقطع هذا الهدوء بين الحين والآخر شباب يسألون عن الروايات الحديثة، ليخبرهم أنه لا يبيع سوى الكتب القديمة فقط، يبدو الأمر محبطًا بعض الشىء، لكنه يجعله متمسكًا بعمله رافضًا الانخراط مع متطلبات السوق، 66 ربيعًا يملكها «مصطفى طه» قضى 50 منها فى بيع الكُتب، يتذكر سنواته الماضية التى أمضاها فى «سور الأزبكية» قائلًا: «زمان كان عهد جميل، كان جميلاً فى القراء والكُتاب، وكان فيه كتاب كتيرة بتجى لينا، القعيد وفاروق شوشة كانوا بيشتروا مننا، دول خلاص خدوا الحلو كله ومشيوا». يشارك الرجل الستينى فى معرض القاهرة الدولى للكتاب منذ عام 1989، بعدما نُقل إلى أرض المعارض بمدينة نصر: «دلوقت نادر أوى من الشباب المصرى اللى يهتم بالتراث والكتب القديمة، رغم إن فى كتب قديمة هى أساس اللغة والقراءة، دلوقت الشباب عاوزه تشترى الحاجات اللى أنا مش متخصص فيها». يقطن «مصطفى» فى منطقة الشرابية، لديه 4 أبناء، منهم ابن يعمل برفقته: «جوز أختى اللى علمنى الشغلانة كنت بنزل معاه فى الإجازة وأنا صغير، أنا خريج معهد فنى قسم مساحة، الحاجة اللى بتشدنى بقرأها خاصة الحاجات الأدبية»، مشيرًا إلى أن سور الأزبكية فى بدايته كان يتألف من 9 مكتبات فقط، لكن الآن تجاوز عددها الأربعين مكتبة: «كانت مكتبات خشب بتتفح بتاعة زمان، بعدها الدنيا اتعدلت، والحمد لله شاركت فى سنوات المعرض كلها مسيبتش سنة».

 

«أحمد».. 26 عامًا من «الإسكندرية» لـ «القاهرة»: ورثت المهنة عن والدى

 

يتوافد عليه الزبائن من مختلف الدول «روسيا، تركيا، دول الخليج» فهو من أشهر البائعين بـ «سور الأزبكية»، ورث المهنة عن والده منذ 26 عامًا، وقرر أن يستكمل مسيرته فيها، كما نقلها إلى أبنائه الذين قرروا أن يسيروا على دربه، يؤكد «أحمد حسين» أنهم لم يشاركوا فى المعرض العام الماضى بسبب رفض اتحاد الناشرين: «إحنا واخدين بسعر أكتر من دور النشر، هما واخدين بـ 1200 وإحنا 1500، عشان اتحاد الناشرين مش عايزنا، إحنا لازم نبقى مع بعض، 40 نفر هنا متفرقين، لو إحنا فى حتة لوحدنا هيكون أفضل». يأتى «أحمد» كل عام من محافظة الإسكندرية إلى القاهرة للمشاركة فى المعرض، مشيرًا أنه يستأجر سكنا ليقيم فيه بـ«مدينة نصر»: «متعودين على الإيجار بنقعد 5 أنفار فى شقة مع بعض، وبنشتغل فى الكتب القديمة بس، وبتوع الكتب الجديدة مش عاوزنا موجودين وللأسف الزبون جاى للحاجات اللامعة مع إن القديم هو الأساس، مش عارفين ندى براح للبضاعة بتاعتنا لأن الكتب كتير، الكتاب عاوز يتشاف للزبون، دلوقت مش عارفين نعمل ده لإننا مش عارفين نفرش البضاعة، المخزن هنا بعيد، مش معمول فى نفس الصالة، وده متعب لينا». موضحًا أن الإقبال على المعرض جيد هذا العام، وتتخصص مكتبته فى الكتب الإنجليزية القديمة والقانون والجرائد والمجلات: «بعرف أقرأ عربى وإنجليزى بالشبه، وليا زباين على مستوى الشرق الأوسط».

 

«عاطف» 50 عامًا فى صحبة الكتب: زمان الكتاب أبو ربع جنيه كان بيخض الزبون

يراقب حركة البيع والشراء فى مكتبته الخاصة بحماس شديد، مضت 50 عامًا على عمله بـ«سور الأزبكية» قضى منها 25 عامًا فى التوافد على معرض الكتاب كل عام، يهتم ببيع الكتب فى مختلف المجالات: التاريخ، والفلسفة، وعلم النفس، والكتب الدينية أيضًا، واللغات والقصص والروايات، لدى «عاطف عبدالعزيز» 60 عامًا، عاصر الأجيال المولعة بـ«عباس العقاد» و«يوسف السباعى» و«طه حسين»، يقول: «دلوقت عاوز الحاجات الجديدة، التيك أواى، محدش عاوز يكتسب لغة، وممكن على النت يعرف كل حاجة فى خمس دقايق، لكن اللى بيقرأ بيهتم بالمحتوى، نسبة البيع والشرا كويسة». يؤكد «الرجل الستينى» أن هذه المشاركة الأولى للعاملين بـ «سور الأزبكية» فى معرض الكتاب بعد نقله من أرض المعارض: «كانوا عاوزين يدخلوا 30 نفر ماوافقناش دخلنا السنة دى كلنا، زمان المعرض كان حاجة تانية خالص، دلوقت أنواع الكتب مبقتش حلوة، وزمان الكتب كانت رخيصة أوى، قرشين وتلاتة تعريفة، وشلن وبريزة، الكتاب أبو ربع جنيه كان بيخض الزبون، دلوقت أقل حاجة بـ5 جنيهات وـ 10 جنيهات». مشيرًا إلى أن مدة المعرض قديمًا كانت 10 أيام فقط، ويرى أن نقل المعرض لم يؤثر على الإقبال لأن الزبون سوف يقبل على الكتب التى يريدها فى أى مكان، ويضيف: «اتعلمت المهنة من ابن عمى، بعرف أقرأ واكتب، بس مش بقرأ كتب لأنى لو قرأتها مش هبيعها، هعرف قيمة الكتاب لو قريته، وهعرف إنه يستحق أكتر من تمنه».

رحلة «عمرو» من «خيم» المعرض لـ «المكتبات»

يقف أمام الركن المخصص لدار نشره، يتحدث مع أصدقائه المجاورين تارة ويرد على استفسارات زبائنه تارة أخرى، يبدو سعيدًا بمقر المعرض الجديد وتفاصيله. يتذكر الـ 15 عامًا التى مضت ولا يصدق أن الأمور باتت أفضل مما كان يتوقع، شارك «عمرو عبدالله» 39 عامًا، فى معرض الكتاب على مدار سنوات متتالية، شاهد فيها العديد من التغيرات والتطورات التى حدثت، يقول: «فى تنظيم وإيجابيات كتيرة والمكان نضيف، واسع ومش زحمة، المكان القديم والسنين اللى فاتت كنت باخد خيمة، لو جم شوية هوا كنت بجرى ويقفل برملة وبأمِن وكان بيبقى فى خساير سنوية، دلوقت الصالة مقفولة والوضع أحسن». يقطن «عمرو» فى منطقة «البدرشين» التى تقع بجنوب الجيزة، ويستغرق ساعة ونصف الساعة حتى يصل إلى المعرض، مؤكدًا أن دار النشر الخاصة به تهتم بالثقافة العامة والكتب المتنوعة: «عندى تراث إسلامى، وطب أعشاب، وتنمية بشرية، وأطفال، وعلاقات أسرية، وكل شغلى بيبقى فى دار المعرفة تبع الأزهر»، مشيرًا إلى أن تأجير الوحدات السكنية اختلف عن الآن حيث ارتفعت الأسعار: «الأول كنا بنأجر فى عمارات العبور بـ 1500 جنيه، وفى ممدوح سالم شقة مفروشة 3 أوض ومفروشة دلوقت الإيجار وصل لـ 4 آلاف جنيه لمدة 15 يوما عشان المسافة كانت بعيدة من جنوب الجيزة للمعرض ومكنتش بقدر أروح وأجى كل يوم».