السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الصداقة في الصغر.. نقش على الحجر!

مَنْ منّا لا يراوده الحنين إلى أصدقاء الطفولة وأصدقاء المدرسة والجامعة.. مَنْ منّا لم يدخل على الفيس بوك ليبحث عن أصدقائه القدامى الذين تركوا أثرًا طيبًا فى نفسه وقلبه وذاكرته..فمع ضغوط الحياة.. وانتشار العلاقات الزائفة صرنا بحاجة ملحة لعلاقات إنسانية صادقة.. ومشاعر نابعة من القلب دون زيف أو مصلحة.. وهذا الصدق لم نجده سوى عند أصدقاء الطفولة والمدرسة والجامعة.. حيث البدايات والبراءة والصدق. وقد ساهمت مواقع التواصل الاجتماعى فى التقاء الأصدقاء القدامى.. فى جروبات ومنتديات تطورت إلى لقاءات حقيقية وتجمعات لأبناء المدرسة الواحدة أو الدفعة الواحدة.. لاستعادة أجمل الذكريات والتواصل من جديد بين أصدقاء الطفولة.



أيام ثانوى يشعر أنه بحاجة لإجازة طويلة بعد سنين من العمل الشاق لم يحصل خلالها إلا على إجازات قصيرة ربما يومًا أو يومين فى الشهر.. إن العمل المستمر جعله أشبه بآلة..ويشعر بحنين لإنسانيته لهواياته القديمة.. لمباراة كرة قدم مع أصدقائه القدامى.. لقد حقق الكثير من النجاح والثروة وصار معروفًا بين رجال الأعمال ويلتف حوله الكثير من الناس، يتوددون له ويتقربون منه ويلقون فيه قصائد الشعر.. لكنه لم يكن سعيدًا بهم.. فهو يدرك جيدًا أنهم منافقون وغير صادقين وأنهم يسعون لمصالحهم فقط. ويعلم أنه فى أول أزمة مالية تقابله سينفضون من حوله وينقلبون عليه.. إن الملايين التى جمعها جذبت إليه كثيرًا من المزيفين.. وصار يشعر أنه بحاجة ملحة لأناس صادقين يحبونه بلا مصلحة.. ويشعر بحنين أكثر لأصدقاء الطفولة والمدرسة..وحبهم الحقيقى الصادر من القلب.. ويفكر أن يبحث عن أقرب صديق له فى أيام المدرسة ويدعى حسن..تعرف عليه فى المرحلة الثانوية وربطت بينهما صداقة وثيقة وكانا لا يفترقان أبدًا.. وحسن شاب أسمر طويل ذو ملامح دقيقة وعينان واسعتان.. كما أنه كان ذكيًا لماحًا.. متفوقًا.. وكثيرًا ما كان يستعين به ليذاكر له الكيمياء فكان عاشقًا للكيمياء والتجارب المعملية والتفاعلات بين العناصر.. ويبحث عنه على الفيس بوك فربما يجده.. إنه بالفعل يتمنى لو يراه ويستعيد صداقته به..ويجد صفحة باسم شاب يحمل اسم حسن الثلاثى.. يبدو أنه ابنه.. ويتصل به. وبالفعل يتضح أنه ابنه ويدله على صفحة والده.. إن والده له صفحة أيضًا على الفيس بوك، ولكن باسم مستعار.. ويتصل به ويعرف منه أنه بعد أن تخرج فى كلية التجارة عمل كمحاسب بشركة خاصة.. وتم بيع الشركة وتسريح الموظفين وأنه حزن ومرض بعد ذلك وأصيب بالسكر والضغط..ولم يجد عملاً آخر ففتح بمكافأة نهاية الخدمة التى حصل عليها من الشركة محل بقالة يعيش منه. ويطلب منه الصديق القديم رجل الأعمال أن يلتقى به.. ويلتقيان ويصدم الصديق حين يشاهد حسن صديق ثانوى.. لقد صار عجوزًا حانيًا.. زاغت عيناه ونحف جسده وغزت وجهه التجاعيد والهموم.. رغم أنه لا يزال فى الخمسين من العمر.. ذلك بعكسه تمامًا.. فهو رغم مسئولياته يبدو شابًا فى منتصف الثلاثينيات على الأكثر..كما لم يصدق حسن أن صديقه الذى صار رجلاً مهمًا وثريًا لا يزال يتذكره بعد كل هذا العمر.. وبعد أن أصبح شخصية عامة فى المجتمع. ولكن حسن الذى يعمل بقالاً ولا يستطيع أن ينادى صديق ثانوى باسمه مجردًا.. إنه يهابه كما يهاب كبار المسئولين!!.. ويستخدم فى حديثه معه كلمات رسمية مثل: (حضرتك وسيادتك ويا أفندم).. ما أشعر صديقه رجل الأعمال بالضيق.. كيف أن صديقه القديم يتعامل معه بكل هذا التكلُّف؟! ويطلب منه أن يناديه باسمه مجردًا.. وأن يستدعى ذكرياتهما معًا وأيام المدرسة ويتذكر كيف كان صديقًا مقربًا له وكيف كان يساعده فى فهم دروس الكيمياء الصعبة.. ولا بد أن ينسى منصبه ومركزه ويتعامل معه كصديق فقط .. كما يصارحه أنه يحتاج صديقًا حقيقيًا فى حياته يكون مخلصًا وصادقًا معه.. يستأمنه على أسراره.. يفضفض معه دون خوف أو قلق. ورغم ذلك ورغم كل ما قاله له وحرصه أن يلتقى بصديقه حسن وبأن يدعوه على العشاء ويجلس معه على المقهى.. محاولاً أن يذيب الحواجز بينهما.. فإن حسن الصديق القديم لم يستطع أن يتعامل ببساطة مع َصديقه الذى صار رجلاً مهمًا .. بل يعامله رسميًا كأنه رئيسه فى العمل ..وباحترام مبالغ فيه لا يليق بالأصدقاء. ويحزن الصديق من موقف حسن ..  لقد فشل أن يستعيد صداقتهما القديمة.. إن مركزه الكبير ووضعه الاجتماعى حال بينه وبين صديق ثانوى.. ويساعد رجل الأعمال صديقه الذى صار بقالًا ويلحقه للعمل بإحدى شركاته.. ولم يعد يسعى لاستعادة صداقتهما. الصديقتان كانت دائمًا تحدث أبناءها عن أعز صديقاتها التى ارتبطت بها طوال أيام الجامعة ثم انقطعت أخبارها منذ التخرج.. إنها لم ترها منذ 25 عامًا.. وكانت دائمًا ما تصف صديقتها بأنها جميلة.. مرحة.. منطلقة.. تشبه الفنانة الاستعراضية شريهان بشعرها الطويل الأسود وملامحها المصرية كصور الملكات على معابد الفراعنة.. كما أنها كانت ضحوكة تهوى عمل المقالب والمفاجآت.. وكانت دائمًا ما تصطحبها لـ(جروبى) وتطلبان البسبوسة بالقشطة. وهكذا تظل تتذكرها وتحكى ذكرياتها معها أمام أبنائها حتى أحبوا صديقة والدتهم وتمنوا لو شاهدوها.. ومع ظهور الفيس بوك.. اقترحت عليها ابنتها أن تبحث عنها على الفيس فربما يكون لها صفحة باسمها.. ولكنها لم تجدها على صفحات التواصل الاجتماعى.. وتتطرق برأسها فكرة أخرى.. فتتصل بخدمة الدليل وتعطيه اسم صديقتها الثلاثى فربما يكون لديها تليفون باسمها. وبالفعل تجد تليفونًا باسم صديقتها وتشعر بفرحة غامرة.. حتى إنها تزف الخبر لأبنائها الثلاثة بسعادة.. وتتصل بالرقم ولكن لا أحد يرد.. وتعاود الاتصال خلال شهر كامل إلى أن رد عليها شاب صغير وأخبرها أنه ابن صديقتها وأن والدته فى السعودية برفقة أبيه.. وأنه فى سياحة لمصر مع بعض أصدقائه.. وتحصل منه على تليفون والدته فى السعودية..وحين تتصل بها لم تصدق أنها تسمع صوتها.. فكانت مفاجأة سارة لصديقتها التى صرخت فرحًا بها أيضًا. ظلتا تتحدثان بالساعات عن ذكرياتهما أيام الجامعة.. وكيف كانت أجمل أيام العمر.. وتخبرها صديقتها أنها تزوجت بعد تخرجها مباشرة من شاب سعودى ابن صديق والدها.. وقد أحبته وسافرت معه لتعيش بالمملكة.. وأنجبت منه أربعة أبناء أكبرهم يدرس الطب بألمانيا وأصغرهم بالصف الأول الإعدادى..كما تحكى هى لصديقتها أنها تزوجت بعد تخرجها بأربعة أعوام من زميل لها فى العمل وأنجبت منه ثلاثة أبناء: ولدان وبنت وأنه تُوفىّ فى حادث طريق. أبناؤها مازالوا أطفالا وأنها تحملت مسئولية تربيتهم بمفردها. ويتفق الصديقتان على لقاء قريب.. وتخبرها صديقتها أنها ستأتى من السعودية فى أقرب وقت من أجل رؤيتها. ولم يمض شهر حتى تحضر الصديقة إلى مصر.. وتدعوها صديقة عمرها لبيتها كى تعرفها على أبنائها فطالما حدثتهم عنها وعن ذكرياتها الجميلة معها .. وتعد لاستقبال صديقتها  أنواعًا وأصنافًا من الطعام.. كما تحرص أن ترتدى أفضل ثيابها.. كما تصفف شعرها وتتجمل .. فتريد أن تراها صديقتها جميلة كما كانت أيام الجامعة.. رغم أنها تدرك جيدًا أن الزمن غيّر ملامحها وقوامها.. ولكنها ستحاول بقدر الإمكان أن تبدو أمامها فى صورة جيدة.. وتظل تنتظرها فى شوق وفرحة.. وعيناها على باب الشقة.. وحين يدق الباب تندفع إليه فرحة ومضطربة. إنه لقاء انتظرته طويلًا.. وحين تفتح الباب تجد أمامها سيدة بدينة منتقبة تضع نظارة طبية على عينيها التى تبدو من خلف النقاب.. فى البداية تظن أن تلك السيدة أخطأت فى الشقة التى تريدها .. لكنها فوجئت بأن السيدة تعانقها بحب وتقول لها: كما أنت لم تتغيرى.. إنه صوت صديقتها.. لا تصدق نفسها.. إن صديقة الجامعة مختلفة تمامًا.. فكانت رشيقة تلك الرشاقة التى تميل للنحافة.. وكانت مرحة منطلقة محبة للحياة. تصافحها وهى تحاول أن تخفى دهشتها، بل صدمتها.. وترحب بها فى حفاوة.. ثم تعرفها على أبنائها الذين كانوا فى انتظارها أيضًا.. فبدت عليهم الصدمة أيضا..لقد توقعوا أن يشاهدوا شبيهة الفنانة شريهان.. فوجدوا سيدة بدينة تتشح بالسواد. وحين انفردت الصديقتان ببعضهما.. وخلعت الصديقة القادمة من السعودية الحجاب.. شعرت صديقتها بالراحة أكثر.. إن ملامحها لا تزال بها بقايا جمال ومرح وشبه من فتاة الجامعة التى كانت تعرفها منذ 25 عامًا.. وظلتا تتحدثان وتحكيان وتستعيدان الذكريات فى سعادة وفرح.. ورغم تغير الملامح فإن قلبيهما لم يتغيرا.. وتوطدت صداقتهما من جديد.. وتظل الاتصالات مستمرة.. وبعد أن عادت الصديقة للرياض ترسل لصديقة الجامعة دعوة لعمل عمرة.