الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

إرهابيون فى حدائق «روســيـــا» الخلفــيــة (الحلقة الثالثة)

إرهابيون فى حدائق «روســيـــا» الخلفــيــة (الحلقة الثالثة)
إرهابيون فى حدائق «روســيـــا» الخلفــيــة (الحلقة الثالثة)


تطور العمل داخل «تنظيم الإخوان الدولى»، بدءًا من انهيار الاتحاد السوفيتى، حتى بدايات الألفية الجديدة؛ كان أن استقر الأمر داخل أروقة التنظيم (الإرهابى) على العمل وفقًا لـ«خطة عامة»، يتم تحديثها كل 4 سنوات.. إذ كانت تلك الخطة تعتمد على «ستة محاور» أساسية، يجب أن يتحرك عبرها التنظيم؛ تمهيدًا لمرحلة التمكين (1).. وكانت تلك المحاور، هي: (محور الصف/ محور التنظيم/ محور الأمة/ محور غير المسلمين/ محور المشروعات المعادية/ محور الاستراتيجيات العامة).
وفقًا للقراءة الدقيقة لمحاور الخطة؛ فإنها تصب -إجمالاً– فى اتجاه «تأميم الإسلام» لحساب الجماعة (تنظيميًّا).. إذ يقتضى هذا الأمر من أفراد الصف الإيمان بقيم (الجهاد) فى الداخل والخارج، على حدٍ سواء.. وألا يخل فرد الصف، تحت أى ظروف، بمفهوم الانقياد الكامل خلف رغبات الجماعة (مبدأ السمع والطاعة).. وتقديمها على مصالحهم الخاصة(2).. كما يتعين على «التنظيم الدولى» فى المقابل؛ إيجاد قنوات اتصال تُمكن الجماعة من اختراق عناصر «المجتمع الدولى» المختلفة(3)؛ للغرض نفسه.
.. وفى هذا السياق، كان أن وضع التنظيم «خطة استراتيجية» تتوافق فى مضمونها و«الخطة العامة»؛ لبسط نفوذ الجماعة داخل كل من: دول آسيا الوسطى، وشمال القوقاز.. وبما يتوافق – كذلك - ورؤية التنظيم المستقبلية، ولائحة مكاتب الدول المستقلة حديثًا عن «الاتحاد السوفيتى»، بعد تفككه (عرضنا لهما بالحلقتين السابقتين).



1 - خطة التنظيم:

توزعت «الخطة الاستراتيجية» – وفقًا لما نمتلكه من وثائق- على خمسة محاور، يتعين على كل «وِحدة» من وحدات الجماعة فى منطقة آسيا الوسطى وشمال القوقاز أن تضع -فى سياقها- خطتها وفقًا للآتى: (إجراءات/ أسُس متابعة/ جهات تنفيذ/ برامج)..
.. وكانت تلك المحاور إجمالاً: محور العمل التربوى (يوازى محور الصف بالخطة العامة للتنظيم الدولي)، ومحور العمل الإدارى (يوازى محور التنظيم)، ومحور العمل مع المجتمع (يوازى محور الأمة بالخطة العامة للتنظيم)، ومحور العمل السياسى والتعامل مع الآخرين (يوازى محوري: غير المسلمين، والمشروعات المعادية)، ومحور العمل الإسلامى العالمى (يوازى محور الاستراتيجيات العامة).
.. وهو ما سنعرض له (تحليلاً) خلال السطور التالية.



2 - المحور التربوى:

استهدف المحور التربوى – بشكل عام – ترسيخ التعاطى مع أدبيات الجماعة (خصوصًا رسائل البنا) بوصفها أحد مكونات الإسلام الرئيسية؛ اعتمادًا على بعض جوانب النقص فى «الثقافة الدينية» للبيئات المُستهدفة.. إذ كان هذا المحور محكومًا بعدد محدد من التوجهات، منها:
(أ)- اعتبار العملية التربوية مسئولية جميع وحدات وأقسام الجماعة، كل فيما يخصه من شرائح اجتماعية أو مجالات تخصصية، أما قسم التربية فهو المسئول فنيًّا عن تكامل العملية التربوية للإخوان (المنظمين فى أُسر).
(ب)- وضع تصور عن المناهج المطلوبة لتغطية متطلبات المرحلة لكل الفئات والشرائح والمستويات والقطاعات والمواقع المختلفة، ضمن الضوابط والسياسات العامة للعملية التربوية التى تقرها المستويات العليا للجماعة.
(ج)- إعداد المربين (النقباء حكمًا) كمًّا وكيفًا، وتدريبهم؛ حتى يتمكنوا من أداء الدور المطلوب، ومن رفع قدرة الصف على أداء دوره.
(د)- التأكيد على التركيز على رسائل حسن البنا (المرشد المؤسس للتنظيم)؛ إذ وضع التنظيم وقتئذ مشروعًا خاصًّا لهذا الأمر، حمل عنوان: (مشروع مركز الترجمة والطباعة).
(هـ)- استثمار جميع الأعمال الدعوية والحياتية؛ للحصول على مردود تربوى للعمل، والتدريب العملى للصف.
(و)- عند ضم العناصر للجماعة والانتقاء من الشرائح المختلفة يجب أن تراعى احتياجاتها من حيث: (الجنس، والسن، والمهنة، والأماكن والطبقات الاجتماعية).
(ز)- تأهيل الصف للقيام بـ«الدعوة الفردية»، والتأثير فى الغير و(توظيفه).. أى بتدريبه على آليات استقطاب الغير، بزعم امتلاك الجماعة للحقيقة الدينية، وأنها الممثل (الصحيح) للدين الإسلامى!



3 - المحور الإدارى:

 تركز الهدف من هذا المحور على تحقيق أفضل استغلال تنظيمى للموارد المتاحة أمام الجماعة (حتى لو كان هذا الأمر عبر الاستفادة من إمكانيات الجماعات الراديكالية الأخرى أو الهيئات الدعوية العاملة بالمنطقة)!.. إلى جانب تطوير الهيكل التنظيمى واللوائح الداخلية الخاصة بالمكاتب (المؤسسة حديثًا، وقتئذ).. وذلك بما يسمح بأداء مهام التغلغل الإخوانى (بأعلى كفاءة ممكنة) فى آسيا الوسطى وشمال القوقاز.. مع إحداث توازن فى التوزيع الجغرافى،وتحقيق اتصال قوى بين المركز والأطراف.
.. وحدد التنظيم – فى هذا السياق – عددًا من المظاهر الدالة على النجاح، منها:
(أ)- توفير موارد مالية تفى باحتياجات الجماعة (اللجنة العليا والمكتب التنفيذي).
(ب)- لوائح مالية للوحدات المختلفة تنظم أوجه الصرف.
(ج)- هيكل فعال – مستكمل للنواقص الحالية – تتضح فيه العلاقات بين وحداته، وتتحقق فيه الانسيابية والتنسيق بين الوحدات، مع توافر آليات تضمن حسن التعامل مع الأحداث وسرعتها.
(د)- وجود خطة على جميع المستويات، يتم العمل بها لتحقيق معدلات إنجاز كمى وكيفى،لا تقل عن 70 %، وكذلك توافر قاعدة معلومات تساعد صاحب القرار على اتخاذ قراره.. ولهذا الغرض سعى التنظيم لتأسيس (مركز دراسات لمنطقة آسيا الوسطى وشمال القوقاز).. وفى الواقع، فإنَّ تأسيس مثل هذه المراكز كان من المرتكزات التى تم تطويرها داخل التنظيم الدولى خلال فترات مرشدى التنظيم: (حامد أبو النصر، ومصطفى مشهور ومأمون الهضيبى،ومهدى عاكف) على التوالى.. أى بامتداد الفترة من بداية التسعينيات، حتى الألفينيات.. بهدف جمع «المعلومات الاستخبارية» عن المناطق والدول التى يعمل بها التنظيم؛ لكى يحولها – فى النهاية – جهاز التخطيط التابع للتنظيم الدولى إلى خطط للتحرك، وتكتيكات محددة لاختراق المجتمعات المستهدفة.
(هـ)- توافر مؤسسات تخدم أغراض الدعوة وتسير وفق لوائح وبصورة مؤسسية، لها موارد ذاتية مستقرة، وتساهم فى أعباء الدعوة، مثل: (جمعية الإحسان الخيرية – العصر الجديد – الشركات التجارية... إلخ).. ولهذا الغرض أيضًا، قرر التنظيم إنشاء كيانات اقتصادية داخل الجمهوريات الإسلامية (أو فى تركيا) من خلال مشاريع الهيئة الخيرية العليا ومن خلال فائض التمويل، والاستفادة من العاملين العرب بالجمهوريات (محل النشاط المقترح).
(و)- توافر خريطة للتوزيع الإخوانى والهيكل فى جميع الجمهوريات (أى جمهوريات آسيا الوسطى والقوقاز)، يُراعى فيها توضيح الآتي: (أ- الأماكن الضعيفة/ ب- الأماكن الحرجة/ ج- أماكن الازدحام الإخوانى).
(ز)- الاستفادة من موارد الغير المادية والبشرية؛ لتحقيق 40 % من مهام التنظيم داخل البلدان المحددة للعمل.. ولتحقيق هذا الغرض (أي: توظيف موارد الغير لحساب التنظيم)، قررت الجماعة: (1 - وضع تأصيل شرعى لتوظيف موارد الغير/ 2 - حسن التعامل مع أصحاب الاتجاهات الأخرى).
.. أى أن الجماعة – هنا – سعت بامتياز لتوجيه الخطاب (وتفصيله، أيضًا) من أجل العمل على إقناع أفراد صفها بـ«حل استغلال موارد الآخر» لدعم نشاطها الذاتى،عبر تخريجات فقهية تدعم هذا التوجه (!)



4 - محور العمل مع المجتمع:
يُعد «العمل مع المجتمع»، هو صُلب تحركات تنظيم الإخوان الدولى؛ إذ يُمثل المجتمع البيئة الحاضنة لأفراد الصف المستقبليين (أى الأفراد المستهدفين بالاستقطاب).. وبالتالى – وفقًا لعقيدة التنظيم ذاتها – فإنَّ النجاح على مستوى هذا المحور، هو أعلى ثمار الدعوة والحركة.. كما أنّ مُتطلبات النجاح فيه تُمثل محددًا رئيسيًّا لخيارات غيره من المحاور.. إذ إنّ أسُس البناء الداخلى للتنظيم، بشقيه: (التربوى والإدارى)، وتحقيقها لسياسات ومخطط الجماعة (فى بعدها العالمى)، تكون قاصرة إن لم تحقق التفاعل المطلوب على مستوى هذا المحور، بما يُمكن الجماعة من النفاذ لطبقات المجتمع المختلفة عبر مظاهر الأسلمة.. ولذلك، اعتبر التنظيم أن النجاح فى هذا المحور، يُمكن رصده فى نهاية الاثنى عشر عامًا – أي: المدة المحددة لمراحل الخطة الاستراتيجية(4)- إذا ما اتسم المجتمع – فى نهاية المطاف - بالصفات التالية:
(أ)- إيمان عضو الجماعة بشعار «الإسلام هو الحل» على إطلاقه، وبلورته لرؤية نابعة من منظور إسلامى (يتوافق والرؤية التى يتبناها التنظيم).
(ب)- ألا تعمل الجماعة نيابة عن المجتمع أو بمعزل منه، وإنما تشاركه وتوجه حركته نحو تحقيق المتطلبات التى يسعى إليها التنظيم.
ولتحقيق هاتين الصفتين، استقر العمل داخل التنظيم على أن وضع آلية داخلية لرفع أو «رصد الواقع»، وتحليله.. كمدخل لتحديد التوجهات المستقبلية.. وفى حالة جمهوريات آسيا الوسطى وشمال القوقاز، اعتمد «رفع الواقع» المجتمعى على الإجابة عن ثلاث أسئلة، هي:
(1)- ما مدى تحقق «مظاهر الأسلمة» فى المجتمع، وإلى أى مدى استجاب المجتمع للمؤثرات التى تحول بينه وبين هذا الأمر؟
(2)- إلى أى مدى نجحت مؤسسات المجتمع فى تحقيق التنمية، وإلى أى مدى توافرت رؤية المنظور الإسلامى بالمجتمع (بما يتوافق – قطعًا – والرؤية التى يتبناها التنظيم)؟
(3)- إلى أى مدى ساهم المجتمع (كل ما هو خارج الجماعة) فى الإيجابيات الحالية فى المجالين: القيمى والتنموى؟
وعلى هذا.. كان أن رصد تقرير بداية الألفينيات لرفع الواقع (بجمهوريات آسيا الوسطى وشمال القوقاز) ما نصه: شهد المجتمع فى السنوات الأخيرة (أى فى حقبة التسعينيات) تراجعا واضحا فى مجال إقباله على الالتزام بالقيم الإسلامية الأساسية، حتى إنه يمكن القول بأن النسبة العامة لسيادة القيم الإسلامية – كمعيار حاكم لحركة المجتمع وتصوراته – لاتزال ضعيفة جدا، وأغلب القيم فى تراجع، مع تفاوت من قيمة لأخرى، منها: تراجع بعض مظاهر الترابط الاجتماعى وندرة الإقبال على الزواج، بالإضافة إلى زيادة استجابة المجتمع للفكر الغربى وتقبله لتطبيقاته فى المجالات الحياتية المختلفة (النمط الاستهلاكى - المظهر الخارجى... إلخ). وقد تراجعت أيضًا مجموعة القيم التى سَمّيناها القيم الإسلامية للأسرة المسلمة، وهى القيم الحافظة لترابط الأسرة والمساعدة لها على أداء رسالتها التربوية فى المجتمع [...]، وطال هذا التراجع أيضًا بعضًا من العبادات والمظاهر المميزة لفترة الصحوة الإسلامية، مثل: ارتياد المساجد و«حجاب النساء».. وإن كانت درجة تحقق هذه القيم فى المجتمع لا تزال مقبولة إلى حد ما.
وتابع تقرير رفع الواقع: على الجانب الآخر فقد شهد منحنى «القليل من القيم الأخرى» صعودًا فى الفترة الأخيرة، مثل زيادة الاهتمام بحفظ القرآن وتعلم اللغة العربية والرغبة فى دراسة العلوم الشرعية فى المعاهد الإسلامية الخارجية والحرص على أداء الحج والعمرة، والتكافل الاجتماعى،وزيادة نسبة الراغبين فى التعامل مع المؤسسات الإسلامية التجارية وغيرها.
.. وحول العوامل والأطراف المؤثرة على تحقيق مظاهر الأسلمة (وفقًا لرؤية التنظيم لا الدين الإسلامى)، رصد التقرير ما مضمونه: إنه كان لتبنى مؤسسة صنع القرار فى الجمهوريات الإسلامية فى المنطقة – خلال السنوات الأخيرة - سياسة [مواجهة التيار] أثرٌ سلبى بالغ على تحقيق القيم التى يريدها التنظيم.. فالنظام لم يكتف بالحد من حركة التيارات الإسلامية، بل وجَّه سهامه إلى القيم مباشرة من خلال مواجهته لظاهرة التدين فيما عرف بسياسة تجفيف المنابع.. وقد تم تنفيذ تلك السياسة من خلال مخطط مدروس متكامل، تضافرت فيه جهود العديد من مؤسسات الدولة، فالمؤسسة الأمنية اضطلعت بمهمة تعويق حركة الإسلاميين عمومًا [...]، وتعاملت المؤسسة الثقافية مع شريحة «الصفوة المثقفة»، بهدف إعادة السيطرة على المساحة الصغيرة، التى احتلها الكتاب الإسلامى المترجم فى السنوات الأخيرة، بعد انهيار الاتحاد السوفيتى السابق.. وذلك، بطرح الإصدارات الفكرية والأدبية الأخرى على الأرصفة بصورة تكاد تكون مجانية، وأثرت المؤسسة الثقافية أيضًا فى شريحة من الشعب أوسع، من خلال إنتاجها الفنى السينمائى والمسرحى،الذى صار قادرًا أيضًا من خلال الفيديو على النفاذ إلى كل بيت.
واستطرد «رفع الواقع» فى موضع تال:
أما الإدارات الدينية فرُغم حرص النظام على إضعافها وتحجيمها وتوجيهها وفق سياساته علاوة على كون القائمين عليها أعضاء قدامى فى جهاز الاستخبارات السوفيتية «كى. جى. بى»؛ فإن هناك بعض الرموز التى يمكن التعامل معها بطريقة أو أخرى لصالح العمل الإسلامى فى دولهم.
وأضاف: كان لمؤسسات «العمل الإغاثى» الإسلامية (أى المؤسسات التى يسيطر عليها التنظيم) دورٌ بارز فى تحقيق قدر من التكافل.. كما كان تيار الصحوة (والجماعة فى القلب منه)، هو الرافد الأساسى الداعم للقيم عبر الاتصال المباشر بالمجتمع، وعبر توجيه وتفعيل المؤسسات، مثل: الأسرة والإدارات الدينية والمؤسسات التعليمية والإغاثية.

وانتهى التقرير بالقول: إنه لم يكن هناك تصور واضح للجماعة فى المرحلة السابقة بخصوص زيادة توظيف المجتمع لتحقيق الرسالة (أى رسالة تنظيم الإخوان)، بل إن أداءنا فى بعض الأحيان كان يتجه عكس ذلك الاتجاه، ونظر بعضنا إلى المجتمع نظرة علوية شعر الغير بها فأبعدته عنا، فإذا أضفنا إلى ذلك الظروف الأمنية الصارفة لأفراد المجتمع عن مشاركتنا فى العمل، سنجد أننا لم نحقق إنجازًا مُرضيًا فى شأن توظيف المجتمع لتحقيق رسالتنا.
.. ومع ذلك، كان أن استمرت محاولات التنظيم (فى الألفينيات)؛ لتحقيق ما لم يستطع تحقيقه فى التسعينيات.. وهو ما سيكون لنا معه وقفة تالية.
الهوامش:
(1)- عملت الجماعة وفقًا لبعض وثائق التنظيم على أن تكون مرحلة التمكين (فى قطر واحد على الأقل) فى أقصى تقديراتها بالعام 2020م.
(2)- لمزيد من التفاصيل، انظر كتابنا: «كعبة الجواسيس: الوثائق السرية لتنظيم الإخوان الدولى»، (القاهرة: مركز الأهرام للترجمة والنشر، 2015م).
(3)- المصدر نفسه.
(4)- راجع الحلقة الأولى من الدراسة.