الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

تفاصيل الـDirty Missions للوكالة البريطانية «الغامضة»!

تفاصيل الـDirty Missions للوكالة البريطانية «الغامضة»!
تفاصيل الـDirty Missions للوكالة البريطانية «الغامضة»!


«مكاتب الاتصالات الحكومية البريطانية» (GCHQ)، هى الوكالة التى نادرًا ما تتحدث علنًا عن أعمالها، وقلّما عُرفت تحركاتها وعملياتها، نظرًا للسرية الشديدة التى تحيط بها، لدرجة وصلت لأن تلقب من قبل بعض الخبراء والمحللين بالصحف الغربية المتنوعة، بـ«الوكالة الأكثر سرية فى التاريخ».
ومع ذلك، عرف القليل عن أعمال الوكالة الاستخباراتية، إما عن طريق رفع السرية من قبل الوكالة، أو الخطأ عبر التسريبات التى صارت ظاهرة العصر الإلكترونى الحديث. وقد يكون إحدى أقوى الصفعات التى تلقتها الوكالة البريطانية، تلك التى نفذها موظف وكالة الأمن القومى الأمريكية (NSA) «إدوارد سنودن» منذ يونيو 2013، بنشره لوثائق سرية للغاية عن عدد من أجهزة المخابرات عالميًا، وكانت أجهزة المخابرات البريطانية بالطبع جزءًا منها.
يمكن تقسيم تاريخ وكالة (GCHQ) إلى فترات متميزة كثيرة، ولكن بصورة مختصرة، قد يكون أسهل تميزًا، هو ما قبل العصر الرقمى (الإلكترونى)، والمقصود هنا فترات الحربين العالميتين، حتى بداية فترة «الحرب الباردة» التى كانت فترة تحول عالم المخابرات بشكل عام. والعصر الحديث، أى فترة التطور الإلكترونى، وما احتواه من تسريبات، واختراقات، وعمليات تجسس فاقت كل التوقعات.
فترة الحربين العالميتين، والحرب الباردة
تعد عمليات الوكالة الاستخباراتية البريطانية فى تلك الفترات معروفة، إذ جسدت بعضها فى عدة أفلام هوليوودية، ونشر عنها تقارير صحفية كثيرة، بناء على معلومات رفع عنها السرية.
فقبيل إنشاء الوكالة الاستخباراتية البريطانية قام مجموعة من الرجال – الذين تعتبرهم (GCHQ) أسلافهم، أو (الآباء) - فى (الغرفة 40) من قسم تحليل الشفرة فى «الأدميرالية البريطانية»، خلال الحرب العالمية الأولى فى يناير 1917، بتقديم تقرير استخباري ساعد «الولايات المتحدة»، التى كانت لا تزال محايدة فى تلك المرحلة، حيث دخلت الحرب العالمية الأولى إلى جانب دول «الحلفاء».
فقد اقترح - حينها - وزير الخارجية الألمانى «آرثر زيمرمان» تحالفًا ألمانيًا مع دولة «المكسيك»، وقال: إذا انضمت «الولايات المتحدة» إلى جانب (الحلفاء) فى الحرب، وكانت «المكسيك» ستتحالف مع «ألمانيا»، فسوف تحصل - المكسيك - على «تكساس»، و«أريزونا» كجوائز بعد هزيمة «الحلفاء». وتم اعتراض هذه الرسالة من قبل «المملكة المتحدة»، وقراءتها فى 17 يناير مع إدراك أهميتها بسرعة، ثم عرضت نسخة من الرسالة على السفارة الأمريكية فى «لندن»، كما تم تسريبها إلى الصحافة الأمريكية، وكانت الصفحة الأولى فى معظم الصحف الأمريكية فى 1 مارس 1917. وبعدها أعلن «زيمرمان» علنًا أن البرقية كانت أصلية، وفى شهر أبريل من نفس العام، أعلنت «واشنطن» الحرب على «ألمانيا».
وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، تم تشكيل الوكالة الاستخباراتية البريطانية فى عام 1919، وذلك من أجل استغلال نجاحات «بريطانيا» فى اعتراض إشارات الراديو، والبرقيات الألمانية خلال الحرب العالمية الأولى. ومع الحرب العالمية الثانية، ظهرت تقنيات الوكالة الاستخباراتية البريطانية فى فك الشفرات والمراقبة، خاصة تجاه آلة «إنيجما» للشفرات السرية، التى اخترعها المهندس الألمانى «آرثر شيربيوس»، إذ استطاع عدد من رجال الوكالة البريطانية فك شفرات جهاز «إنيجما».
ثم بعد انتصار دول (الحلفاء) فى عام 1945، أصبحت المنظمة تحمل اسم (GCHQ) منذ عام 1946. وبعدها، تحولت أفضل عقول الوكالة البريطانية، وقدراتها التقنية المتنامية إلى خوض «الحرب الباردة»، ومكافحة الاستخبارات السوفيتية، واعتراض إشارات الراديو الروسية. وبعد مرور 40 عامًا تقريبًا، عندما انهار «الاتحاد السوفيتى»، فرضت الثورة الرقمية تغييرًا شاملًا فى التقنيات والطرق المستخدمة. وبدأت (GCHQ) تستغل تدفق البيانات، وتجميع الاتصالات عبر الأقمار الصناعية، وذلك قبل وقت طويل من دخول العالم عصر الإنترنت. ومع ذلك، كانت الوكالة البريطانية بطيئة إلى حد ما فى فهم حجم التغيير الذى كانت تواجهه فى تلك الفترة، وفقاً لما قاله مؤرخ وكالة (GCHQ) «تونى كومر»، الذى قال: «لقد استغرق الأمر 15 عامًا لكى تعمل (GCHQ) على أن وصول الإنترنت، كان الحدث الأكبر، منذ نهاية الحرب الباردة».
أواخر التسعينيات وبداية الألفية الثانية
فى هذه المرحلة، انتقل عالم الاستخبارات بشكل عام نقلة كبيرة جدًا. فكما أوضحنا من قبل، كان ظهور الإنترنت، وتطور العالم الرقمى، أو الإلكترونى، مع التطور التكنولوجى المتصل بالأقمار الصناعية، والشبكة العنكبوتية اللاسلكية الأرضية، له أثر كبير على جهاز (GCHQ).
ولعل أبرز ما قامت به (GCHQ) خلال تلك الفترة، التجسس على قادة العالم، عبر كل ما هو متصل بالأقمار الصناعية. ثم بداية عمليات التلاعب بمجريات الأحداث العالمية، خاصة مع ظهور وسائل التواصل الاجتماعى، التى كانت أداة قوية جدًا استخدمتها الوكالة البريطانية، وغيرها من المتعاونين معها بحنكة شديدة، والتى كانت شكلًا من أشكال «الحرب غير التقليدية» للعصر الحديث، ولكن، جدير بالذكر أن هذه العمليات لم يتم رفع السرية عنها، أو حتى تم التعليق عليها حتى الآن، بل عرفت نتيجة لتسريبات الوثائق السرية، التى نشرها «إدوارد سنودن».
كانت أبرز عمليات التجسس البريطانى، تلك التى وصلت إلى رؤساء دول «إفريقيا»، وكبار الشخصيات، وقادة الأعمال، إذ تم التنصت على عدد كبير جدًا من السياسيين، والدبلوماسيين، وقادة الجيش، والمخابرات، وأعضاء المعارضة، وكبار رجال الأعمال، عبر القارة التى انتهكت سيادتها السياسية، والاقتصادية، والاستراتيجية، فى أكثر من عشرين دولة إفريقية.
وثائق «سنودن» المسربة، والتى نشرت محتواها جريدة «لو موند» الفرنسية، كشفت عن نظرة غير مسبوقة حول عمليات تجسس (GCHQ)، فعلى سبيل المثال: رغم أن «المملكة المتحدة» كانت شريكًا تجاريًا رئيسيًا لدولة «كينيا»، فإن أجهزة الاستخبارات البريطانية اعترضت فى مارس 2009، مراسلات الرئيس الكينى السابق «مواى كيباكى»، وأقرب مستشاريه الاستراتيجيين، بالإضافة إلى التنصت على رئيس الوزراء الكينى السابق «رايلا أودينجا». وقد اتبع الجهاز البريطانى نفس النهج ضد دولة «أنجولا»، التى تعد أكبر منتج للنفط فى «إفريقيا»، حيث تجسسوا على الرئيس الأنجولى السابق «خوسيه إدواردو دوس سانتوس» منذ عام 1979، كما أظهرت التقارير السرية عمليات اختراق قصر (لواندا) الرئاسى، الذى تحت المراقبة الاستخباراتية البريطانية.
وقد شملت قائمة القادة المستهدفين من قبل (GCHQ)، الرئيس النيجيرى السابق «أولوسيجون أوباسانجو»، ورئيس دولة «سيراليون» سابقاً «أحمد تيجان كبه». وقد كان ضمن أهداف (GCHQ) فى دولة «غينيا»، كل من «سيلو دالين ديالو»، و«لانسانا كوياتى»، وكليهما رئيس وزراء سابقان فى عهد الرئيس الغينى «لانسانا كونتى»، كما أبدى البريطانيون اهتمامًا كبيرًا بمكاتب وزير الشئون الخارجية النيجيرى «أوجو مادوكوى»، وخاصةً أرقام هواتفه المحمولة،  وقد تنصتت أجهزة المخابرات البريطانية أيضًا على الاتصالات التى شارك فيها وزراء خارجية «نيجيريا»، و«كينيا»، و«زيمبابوى»، و«السودان»، و«ليبيا»، وأقرب المتعاونين معهم، كما سعت (GCHQ) أيضًا إلى التجسس على السفارات الإفريقية عن كثب، وسفرائهم، مثل: سفير (جمهورية الكونغو الديمقراطية) فى (برازيليا)، والسفارة السودانية فى (إسلام آباد)، والسفارات النيجيرية  فى (أنقرة)، و(طرابلس)، و(طهران)..وغيرها، وكذلك البعثة الدائمة لدولة (نيجيريا) لدى «الأمم المتحدة» فى (جنيف). وكان كل ذلك بهدف تحديد الاستراتيجية التى تتعامل بها (المملكة التحدة) على المسرح السياسى الدولى، واستغلالها لصالحها، ولصالح بعض الدول الغربية الصديقة.
أما خلال العقد الأخير تحديدًا، ومع التطور غير المسبوق لتقنيات العالم التكنولوجى، والإلكترونى، وانتشار مواقع التواصل التى صارت تحاصر كل بيت تقريبًا، وانتشار ظاهرة «الاختراق السيبرانى»، واستخدام كلمة «الأمن السيبرانى» بشكل ملحوظ فى جميع الصحف والاجتماعات بين كبار القادة فى أغلب المجالات، فقد كانت هذه أيضًا خطوة إضافية كبيرة فى عالم الاستخبارات.
وبالنسبة لجهاز (GCHQ) البريطانى، فلعل أبرز ما نفذه من عمليات فى تلك الفترة، وفضحها «سنودن» أيضًا، هو المساعدة فى استغلال الثورات، خاصة فى منطقة (الشرق الأوسط)، من أجل تحويلها إلى مظهر من مظاهر العنف والحرب والفوضى، والتى نجحت فى بعض البلدان بالفعل، بالتعاون مع أجهزة استخباراتية غربية أخرى، فرغم توفير الإنترنت للمواطنين آلية قوية لتنظيم الاحتجاجات، فإنها زودت وكالات الاستخبارات بآلية قوية بنفس القدر من حيث إمكانية الوصول إلى المتظاهرين وإمكانية رؤيتهم.
فقد استخدمت وحدة غامضة، تابعة لـ(GCHQ) العديد من حسابات موقع التواصل «تويتر»، من أجل التأثير على الاحتجاجات فى «إيران» منذ عام 2009، كما استخدم الجواسيس البريطانيون عنوان (URL) مختصرًا لتعديل منشورات لثورات «الربيع العربى» على مواقع التواصل الاجتماعى، من أجل نشر رسائل مؤيدة للثورات فى «الشرق الأوسط» تشعل حدة الصراع. كانت هذه الرسائل تهدف إلى جذب المحتجين على حكومتهم، حتى يتم التلاعب بهم، وجمع معلومات استخباراتية من شأنها أن تساعد الوكالة على تعزيز أهدافها الجغرافية السياسية فى جميع أنحاء العالم، وليس «الشرق الأوسط» فحسب.. فقد حاولت وحدة معروفة باسم «مجموعة الاستخبارات لبحوث التهديد المشترك» أو (JTRIG)، التأثير على الناشطين عبر الإنترنت خلال احتجاجات الانتخابات الرئاسية الإيرانية فى عام 2009.
الوثائق المسربة أوضحت أن الفريق البريطانى، الذى يستهدف «إيران»، يعمل على تشويه القيادة الإيرانية، وبرنامجها النووى، تأخير وتعطيل الوصول إلى المواد المستخدمة فى البرنامج النووى، واستغلال إدارة شبكة الإنترنت، وعمليات الرقابة المضادة، وذلك عبر إنشاء شخصيات كاذبة، وتحميل مقاطع فيديو على موقع «يوتيوب»، وإنشاء مجموعات وصفحات على موقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك»، وكل ذلك من أجل الزج بمعلومات لها غرض فى أوقات محددة.
وفى عام 2011، شوهد نشاط مجموعة (JTRIG)، عن طريق حساب يسمى «access4syria»، يقوم بنشر تغريدات عن دولة «سوريا». وقد كان الحساب نشطًا فقط بين شهرى مايو ويونيو 2011، وتغريداته كانت فقط بين الساعة 9 صباحًا و 5 مساءً بتوقيت (المملكة المتحدة) من الاثنين إلى الجمعة. وعندما طُلب من جهاز (GCHQ) التعليق على ما إذا كانت قد أنشأت حسابات سرية، وعن الإجراءات والسياسات المعمول بها لضمان الإشراف على النشاط السرى الذى تقوم به (JTRIG)، ردت الوكالة البريطانية: «إنها سياسة طويلة الأمد. إننا لا نعلق على الأمور الاستخباراتية. علاوة على ذلك، يتم تنفيذ جميع أعمال (GCHQ) وفقًا لإطار قانونى وسياسى صارم، مما يضمن أن أنشطتنا مصرح بها، وضرورية، ومناسبة، وأن هناك إشرافًا صارمًا، من قبل كل من: وزير الخارجية، ومفوضى خدمات الاستخبارات، لجنة الاستخبارات والأمن البرلمانية البريطانية».. أما أحد أكثر اهتمامات الوكالة البريطانية الاستخباراتية الآن، فقد أوضحها صحفى بجريدة «فاينينشيال تايمز»، يدعى «ديفيد بوند»، الذى كشف بعد أن قابل خلال العام الماضى 20 شخصًا من داخل (GCHQ)، أن الوكالة لا تزال مرتبطة بشدة بعملها التقليدى، المتمثل فى تكسير الشفرات، والمراقبة السرية، ولكنها تستعد أيضًا لموجة أخرى من التغير التكنولوجى، نظرًا لأن طبيعة العمل الاستخباراتى أصبحت رقمية بشكل متزايد.
فقد أكد «بوند» أن (بريطانيا) ستطلق فى الأشهر المقبلة، قوة هجومية إلكترونية جديدة، تتألف من أكثر من ألفى شخص، والتى ستعتمد بشكل كبير على القوى الموجودة لبدء العمليات عبر الإنترنت التى يمكن أن تتحلل، أو تدمر شبكات الكمبيوتر، ولها تأثيرات فى العالم الحقيقى، مثل التأثير على شبكات الطاقة أو إمدادات المياه. ومن المتوقع أن تتولى القوة (GCHQ) قيادة القوة.. تتطلع (GCHQ) هذا العام، إلى إضافة ما بين 600 إلى 800 شخص جديد، بسبب توسعها المركز القومى للأمن السيبرانى، الذى افتتح فى عام 2016، ويقدم المشورة والدعم للقطاعين العام والخاص حول كيفية التعامل مع تهديدات الأمن السيبرانى. ومن المقرر أيضاً، أنها ستفتح أيضًا قاعدة جديدة فى وسط مانشستر، فى العام المقبل.>