الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الخريطة الكاملة للقواعد العسكرية الأمريكية

الخريطة الكاملة للقواعد العسكرية الأمريكية
الخريطة الكاملة للقواعد العسكرية الأمريكية


منذ نهاية العام الماضي، يصدر الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» قرارات غير مفعلة -في أغلبها- عن سحب القوات الأمريكية من عدة دول، والزج بها في دول أخرى، والتحجج بأسباب واهية لإسكات الرأي العام في كل مرة. ولعل أحدث ما نُشر في هذا السياق، هو إضافة قواعد عسكرية أمريكية جديدة في منطقة «آسيا»، و«المحيط الهادئ» بصورة مؤقتة، والحجة هي زيادة مرونة القوات إلى أقصى حد.. وعلى صعيد آخر، أعلن «ترامب» قبلها مرارًا، أنه سيسحب قواته من  «أفغانستان»، وقبلها «سوريا»، ولكن شيئًا لم يحدث.. وتستمر القرارات المتضاربة !!

لكن، بعيدًا عن التصريحات الأمريكية المتأرجحة فى تلك القضية، ونزولاً إلى أرض الواقع، نجد انتشارًا واسعًا للقواعد الأمريكية فى جميع أنحاء العالم، وإن كان هذا «الانتشار»، أو ما نعرفه من معلومات عنه هو المعلن فقط. وذلك من أجل الحفاظ على الإمبراطورية الأمريكية، التى تعتمد على حرب لا نهاية لها، حتى تهيمن على الدول الأخري.

كان أحدث توسع للوجود العسكرى الأمريكى فى العصر الحديث قد بدأ خلال السنوات الخمس من 2000، حتى 2005، بحجة «الحرب على الإرهاب»، وظلت هذه الحجة مستخدمة حتى يومنا هذا. فلقرابة عقدين تقريبًا، تسيطر تلك القواعد على الأنشطة السياسية اللا إنسانية، والأنشطة الاقتصادية، والاجتماعية لعدة دول، التى تكمن وراءها مخططات استخباراتية، وعمليات مختلفة للتدخل العسكرى المباشر من خلال الجنود والقوات العسكرية على الأرض، والتدخل غير المباشر من خلال العملاء السريين، وقوات العمليات الخاصة الأمريكية. ويتم دعم الغزو، والاحتلال، أو الإشراف على هذه المناطق المختلفة من العالم من خلال تلك الشبكة المتكاملة من القواعد، والمنشآت العسكرية الأمريكية، التى تغطى كامل الكوكب، بما فى ذلك: «القارات، والمحيطات، والفضاء الخارجي».

عدد القواعد العسكرية الأمريكية حول العالم

«تقرير الهيكل الأساسي» للسنة المالية 2017، والتابع لوزارة الدفاع الأمريكية (بنتاجون)، أوضح أن الوزارة تدير أكثر من 4800 منشأة عسكرية نشطة فى جميع أنحاء العالم، أغلبها فى «الولايات المتحدة». ولكن جديرًا بالذكر، أن هذا التقرير لم يشر إلى أى قاعدة أمريكية من تلك الموجودة فى «سوريا»، و«العراق»، و«أفغانستان»، و«النيجر»، و«الكاميرون»، و«الصومال»، ... وغير ذلك الكثير من هذه البؤر الاستيطانية العسكرية السرية.

تقارير استقصائية أخري، أوضحت أن «الولايات المتحدة» أنشأت أكثر من 400 قاعدة عسكرية فى كل قارة تقريبًا، باستثناء «القارة القطبية الجنوبية»، مؤكدة أن الدول التى تشمل منشآت عسكرية أمريكية، غالبًا كانت خصومًا سابقين. وأكدت التقارير أن هذه المنشآت تستخدم على المستوى العسكرى للتدريب ونشر القوات، ولصيانة واختبار أنظمة الأسلحة، ولاختبار الطائرات، والبحث العلمي. وعلى المستوى الاقتصادي، لأنها عادة ما تكون موجودة بجانب موارد الدولة المستهدفة. بالإضافة إلى المستوى الاستخباراتي، من أجل تنفيذ عمليات استخباراتية لا حصر لها، أو القيام بعمليات تجسس، نظرًا لارتباطها بالأقمار الصناعية.

ومن جانبه، أوضح «ديفيد فاين» مؤلف كتاب: «قاعدة الأمة: كيف تضر القواعد العسكرية الأمريكية الخارجية «الولايات المتحدة»، والعالم»، مضيفًا أنه قد يكون هناك مئات من القواعد المماثلة حول العالم المجهولة، أو غير المعلنة...ثم أكد: «لا أزال أقدر أنه يوجد نحو 800 قاعدة أمريكية خارج الولايات الأمريكية الخمسين، القواعد التى كانت تطوق العالم منذ الحرب العالمية الثانية، ولكن (البنتاجون) لا يريد التحدث عنها.. فالقواعد غير الموثقة محصنة ضد الرقابة العامة، وحتى مجلس الشيوخ الأمريكى (كونجرس) فى كثير من الأحيان.. ويُنفق عليها مئات الملايين، أو مليارات الدولارات. كما أنهم يشاركون فى حروب وصراعات، لا يعرف أحد عنها شيئًا». «فاين»، هو عضو مؤسس ائتلاف «إعادة تنظيم وإغلاق القواعد الخارجية الأمريكية»، وهى مجموعة من المحللين العسكريين من مختلف الأطياف الأيديولوجية، الذين يدافعون عن تقليص ما سموه «البصمة العالمية» للجيش الأمريكي.

يذكر، أن القواعد المذكورة هى الرقم الرسمى المعلن لوزارة الدفاع الأمريكية، ولكن يشكك البعض فى هذا الرقم، نظرًا لما يتم الكشف عنه كل فترة من قواعد أخرى سرية فى عدة دول، وقد تم الكشف عنها عن طريق الخطأ، بعد عدد من العمليات الأمريكية السرية التى تمت من خلال تلك القواعد. وهو ما سنتطرق إليه لاحقًا فى  الملف.

الدول التى تضم العدد الأكبر من قواعد «الولايات المتحدة»

تقع غالبية القواعد الأمريكية فى دولة «ألمانيا»، التى حاربت «الولايات المتحدة» فى الحربين العالميتين، بعدد «213» قاعدة أمريكية، وتحتوى على ما بين 35 و 50 ألف جندي. تليها دولة «اليابان»، بعدد «122» قاعدة أمريكية، أى أنها أكثر من أى دولة أخرى فى قارة «آسيا». وتشمل أراضى «كوريا الجنوبية» «81» قاعدة أمريكية، بينها ثمانٍ من كبرى القواعد الأمريكية فى العالم. ويليها كل من دول: «إيطاليا»، «المملكة المتحدة»، «بلجيكا»، «البرتغال»، «تركيا»، وغيرها.

الميزانية

لم يوفر «تقرير التكلفة الخارجية»، التابع لوزارة الدفاع الأمريكية، إلا معلومات محدودة حول تكلفة بعض المنشآت العسكرية الأمريكية فى الخارج. وذلك؛ لأنه غالبًا ما تكون بيانات التقرير غير مكتملة، أو غير موجودة فى كثير من الأحيان ، لمدة تتراوح لأكثر من عِقد، إذ يبرر مسئولو وزارة الدفاع الأمريكية هذا الغموض بالسرية تارة، أو عدم توافر معلومات دقيقة تارة أخري. ولكن، بشكل عام، أبلغ (البنتاجون) أن إجمالى التكاليف السنوية فى المنشآت العسكرية الخارجية، تقدر بـ20 مليار دولار.

ومن جانبه، أوضح ائتلاف «إعادة تنظيم وإغلاق القواعد الخارجية الأمريكية»، أن التكلفة السنوية لنشر الأفراد العسكريين الأمريكيين فى الخارج، بالإضافة إلى الحفاظ على تلك القواعد، وإدارتها فقط، يقدر بنحو 150 مليار دولار سنويًا.

وبشكل عام، وافق (الكونجرس) فى يوليو 2018، على زيادة قدرها 717 مليار دولار للإنفاق العسكرى للعام المالى 2019، أى ما يعادل ٪3.1 من الناتج المحلى الإجمالى الأمريكي.

الهدف من انتشار القواعد الأمريكية

كما ذكرنا من قبل، أن الهدف من شبكة القواعد الأمريكية، هو السيطرة على الاقتصاد العالمى عبر الاستيلاء على جميع الموارد الطبيعية، خاصة الموارد الأساسية ومصادر الطاقة غير المتجددة، ناهيك عن تنفيذ العمليات التجسسية والسرية، بجانب المساندة فى الحرب التقليدية العسكرية الأمريكية، إن تطلب الأمر.

الهدف الاقتصادي

إن هذا الهدف تستخدم فيه الإدارات الأمريكية المتتالية، «جزرة» الدعم العسكرى الأمريكي، و«عصا» الاعتداءات العسكرية الأمريكية.

فمنذ أحداث 11 سبتمبر 2001، استغلت «واشنطن» «الحرب العالمية على الإرهاب» للتوغل فى عدة دول لاستنزاف مواردها، أولاً فى «أفغانستان» الغنية بالموارد النادرة، ثم فى «العراق» بما تحتويه من (نفط). أما الدول الأخري، التى لم تلتزم بتوجيهات «البيت الأبيض»، بما فى ذلك: «إيران»، و«كوريا الشمالية»، و«سوريا»، و«فنزويلا»، فقد تم تخصيصها لتدخل عسكرى أمريكى محتمل فيما بعد. إذ تراقب «واشنطن» عن كثب الدول التى تعارض سيطرة الشركات الأمريكية على مواردها. وتستهدف أيضًا البلدان التى توجد فيها حركات مقاومة شعبية موجهة ضد المصالح الأمريكية، وبخاصة فى قارة «أمريكا الجنوبية» الغنية بجميع الموارد الأساسية.

وكما قال أمين «مجلس السلام العالمي» (WPC) «إيراكليس تسافاريديس»، إنه: «لا ينبغى بطبيعة الحال النظر إلى فكرة إنشاء قواعد عسكرية أمريكية ببساطة من حيث الغايات العسكرية المباشرة، إذ يتم استخدامها للأهداف الاقتصادية والسياسية للرأسمالية الأمريكية. على سبيل المثال، كانت الشركات، والحكومة الأمريكية حريصين لبعض الوقت على بناء ممر آمن لأنابيب (النفط، والغاز الطبيعي)، التى تسيطر عليها «الولايات المتحدة» من «بحر قزوين» فى «آسيا الوسطي» عبر «أفغانستان»، و«باكستان» إلى «بحر العرب»، حيث تحتوى هذه المنطقة على أكثر من %6 من احتياطيات (النفط) فى العالم، ونحو 40 % من احتياطياتها من (الغاز). كما يُنظر إلى الحرب فى «أفغانستان»، وإنشاء قواعد عسكرية أمريكية فى منطقة «آسيا الوسطي» على أنها فرصة رئيسية لجعل هذه الأنابيب حقيقة واقعة».

وتعليقًا على دولة «أفغانستان». فيذكر، أن السبب فى عدم سحب القوات الأمريكية بالكامل حتى الآن، وفقًا لوعود الرئيس الأمريكى الحالي، هو وجود أجندة أمريكية اقتصادية أيضاً، إذ تتمركز أغلب القواعد الأمريكية داخل الأراضى الأفغانية بشكل ملحوظ، حول موارد (النحاس، والذهب، والكوبالت، والليثيوم). والأمر نفسه فى «سوريا»، فعلى مدار السنوات الخمس الماضية، شهدت القواعد الأمريكية تغييرات كبيرة فى إنشاء قواعد جديدة لم تكن موجودة من قبل، وتوسيع وتوحيد بعض القواعد القديمة، والإخلاء النهائى لبعض القواعد، بجانب نقل بعض القواعد إلى مناطق مختلفة، إلى أن صارت أغلب القواعد الأمريكية، التى تستعد لإقامة طويلة الأجل، تتمركز فى منطقة شمال «سوريا» الغنية بحقول (النفط، والغاز الطبيعي). ناهيك عن الفضيحة التى نالت «واشنطن»، بأن الجيش الأمريكى نقل أطنانًا من الذهب ـ تقدر بـ50 طنًا - من المناطق التى سيطر عليها تنظيم «داعش» الإرهابى فى «سوريا»، خصوصا مدينة «دير الزور»، إلى «الولايات المتحدة»، بالإضافة إلى استيلاء القوات الأمريكية على 40 طنًا من سبائك الذهب، التى سرقها إرهابيو «داعش» من محافظة «الموصل» العراقية».

وبعيدًا عن منطقة «الشرق الأوسط»، والنظر إلى الشرق الأقصي، نجد أحد أهم الأمثلة ـ الجارية الآن - حول سبب انتشار القواعد الأمريكية، هى «الصين» التى تشكل أكبر تهديد للهيمنة الأمريكية فى الوقت الحالي. فصارت معظم اعتداءات آلة الحرب الأمريكية الآن مبنية على تأمينها للموارد، والهيمنة الجيواستراتيجية، من أجل منع «بكين» من تجاوزها «واشنطن»، دون مهاجمة «الصين» نفسها.. ففى أى وقت نرى فيه تصاعد عداء «الولايات المتحدة» تجاه دولة معينة، نجد بالبحث عن اسم الدولة المستهدفة، ارتباطها بالصين، أو «مبادرة الحزام والطريق».

الهدف الاستخباراتي

بما أن 11 سبتمبر هى بداية التحركات الأمريكية، فمنذ ذلك الحين فقد ازدادت أعداد قوات العمليات الخاصة الأمريكية وارتفعت ميزانيتها.

هذا التواجد فى نحو 70 % من دول العالم الآن يقدم دليلًا جديدًا على حجم ونطاق الحرب السرية، التى تشن فى عدد من الدول، منذ أيام «بوش» الابن. إذ تنتشر قوات العمليات الخاصة الأمريكية فى نحو 60 دولة حول العالم. وبحلول عام 2010، ارتفع هذا العدد إلى 75 دولة، وفقًا لما أوضحه الصحفيان «كارين ديونج، وجريج جافي» بجريدة «واشنطن بوست». وفى عام 2011، صرح المتحدث باسم قيادة العمليات الخاصة الأمريكى (SOCOM) العقيد «تيم ناي»، بأن العدد الإجمالى وصل إلى 120 دولة. وفى عام 2013، أضيفت نخبة من القوات الأمريكية فى 134 دولة حول العالم، وفقًا لما ذكره الرائد «ماثيو روبرت بوكهولت» من قيادة العمليات الخاصة الأمريكية.

هذه الزيادة التى بلغت 123 % فى عهد الرئيس الأمريكى السابق «أوباما»، توضح كيف انخرطت «الولايات المتحدة» فى التخطيط لحروب غير تقليدية بشكل متزايد ، فى محاولة لتحقيق أهدافها الاستراتيجية. كما أكد أستاذ التاريخ والعلاقات الدولية بجامعة «بوسطن»، العقيد المتقاعد «أندرو باسيفيتش»، أن: «استخدام قوات العمليات الخاصة الأمريكية، خلال سنوات «أوباما» قد قلل من المساءلة العسكرية، وعزز الريادة للإمبراطورية الأمريكية، وأعد المسرح لحرب دون نهاية».

بصورة أخرى تنفذ قوات العمليات الخاصة الأمريكية هذه المهام إلى حد كبير فى الظل بعيدًا عن أعين المتطفلين، أو التدقيق الإعلامي، أو أى نوع من الرقابة الخارجية، ما يزيد من فرص حدوث ردود فعل غير متوقعة، ونتائج كارثية، مثل: العمليات العسكرية الأمريكية، التى تثير الغضب والسخط لبعض الشعوب، وإشعال مناطق بأكملها. ولعل أحدث سيناريو معروف، ومستمر حتى الآن فى بعض الدول، هو استغلال ثورات منطقة «الشرق الأوسط» منذ عام 2011، التى أسقطت بعض البلاد فى هوة كبيرة، منها ـ على سبيل المثال - الإطاحة بالرئيس الليبى السابق «معمر القذافي» عبر إرسال قوات من دولة «مالي» المجاورة لها، لتحدث انقلابًا، قام به ضابط مدرب من قبل «الولايات المتحدة»، أدى فى النهاية إلى نشوب إرهاب دموى وعنيف، وفقاً لموقع «ذا أفريكا ريبورت».

فى النهاية، يعد ما سبق هو أمر اضطرت وزارة الدفاع الأمريكية للإفصاح عنه، بموجب قانون حرية المعلومات الأمريكى (FOIA).. ومع ذلك، فإن بعض القواعد لاتزال مستترة حتى يومنا هذا، ونكشف بعضًا منها فى الصفحات التالية.