الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

القواعد المشتركة: ترغيب ترهيب؟!

القواعد المشتركة: ترغيب  ترهيب؟!
القواعد المشتركة: ترغيب ترهيب؟!


التحالفات بالترغيب أو الترهيب، بالاتفاقيات أو تحت ضغط شديد، منهج تتبعه «الولايات المتحدة» من أجل فرض نفوذها، وبسط يدها بصورة أكبر، وأعمق، وأكثر تشابكًا.. ومن هذا المنطلق استطاعت «واشنطن» بمكر شديد زيادة عدد قواعدها من خلال إنشاء «قواعد عسكرية مشتركة» بينها وبين البلد المستهدف، لأغراض كثيرة متنوعة على مدار التاريخ.. ولعل أكبر قضيتين ـ الآن- تعكف «واشنطن»على إثبات جدارتها فيهما، هما: مواجهة الإرهاب المصنوع أساسًا فى «الولايات المتحدة»، ومواجهة القوتين العظميين المنافستين «روسيا»، و«الصين» اللتين أثبتتا جدارتيهما على المسرح الدولي.
قائد قيادة التحديث المشترك للجيش الأمريكى العميد «جونى دافيز» قال أثناء حديثه إلى الصحفيين فى مركز تدريب «ياكيما» بالعاصمة الأمريكية «واشنطن» فى شهر أبريل الماضى، إن: «فى منافسة القوى العظمى اليوم، نعلم جميعًا أن هناك قوتين عظميين، بالإضافة إلى الولايات المتحدة». وأكد المحللون الغربيون، أن المقصود بالقوتين فى تصريحاته، هما «الدب الروسى، والتنين الصينى».
كان الجيش الأمريكى قد بدأ فى عهد الرئيس الأمريكى السابق «باراك أوباما» استراتيجية أطلق عليها العديد من القادة الأمريكيين اسم «محور المحيط الهادئ». إذ حولت هذه الاستراتيجية انتباه الجيش من التركيز شبه الأحادى على عمليات التمرد المتنامية ومكافحة الإرهاب فى جميع أنحاء العالم، إلى التركيز بشكل أكبر على احتمال المواجهة الشديدة مع «الصين» قبل «روسيا»، الدولتين اللتين أدرجهما رؤساء الأركان المشتركة الأمريكيون كتهديدات كبرى للأمن الأمريكى، بصورة تتجاوز بكثير، أى تهديد يمثله الإرهاب فى منطقة (الشرق الأوسط) الذى ظل لسنوات يستحوذ على اهتمام «واشنطن» وتركيز قياداتها الأمنية. ثم تغير اسم «محور المحيط الهادئ» مؤخرًا فى عهد الرئيس الأمريكى الحالى «ترامب»، إلى «القيادة الهندية للمحيط الهادئ»، لتعكس تعاونًا عسكريًا أوثق من جانب «الولايات المتحدة» مع «الهند»، التى تعتبر دولة أخرى لديها منافسة إقليمية عميقة مع «الصين». وكانت قاعدة «فورت لى» المشتركة، مقر سلاح الجيش الأمريكى الأول، مركزًا رئيسيًا لعمليات (آسيا)، و(المحيط الهادئ) من خلال برنامج «مسارات المحيط الهادئ»، وغيرها من مبادرات التدريب الدولية. وبالطبع ليس من المستغرب أن يقع الاختيار على هذه القاعدة لتنفيذ أكبر مناورة سنوية مشتركة متعددة الجنسيات للجيش الأمريكى هذا العام. وشملت المناورات بالطبع قوات دول «الولايات المتحدة»، و«بريطانيا»، و«كندا»، و«أستراليا» و«نيوزيلندا»، وجميعها تشكل تحالف «العيون الخمس» الاستخباراتي.
ويعد توقيع رئيس الوزراء السنغافورى «لى هسين لونج»، والرئيس الأمريكى «ترامب»، يوم الاثنين الماضى، على التعديل على مذكرة التفاهم الأصلية لعام 1990، بشأن استخدام القواعد العسكرية فى «سنغافورة» خبرًا طبيعيًا، فى ظل محاولات «الولايات المتحدة» لتطويق «الصين». وقد أوضح عدد من المحللين الغربيين، أن تجديد عقد عمره ثلاثة عقود بين «الولايات المتحدة»، و«سنغافورة» منح القوات الأمريكية الوصول إلى القواعد البحرية والجوية لمدينة «ليون». وأن «واشنطن» تعتبر المدينة جزءًا حيويًا من استراتيجيتها الآسيوية لفترة طويلة قادمة، وهو أمر من المرجح أن تنظر إليه الحكومة الصينية بشيء من الخوف، حيث يأتى وسط الجهود الأمريكية لتعزيز وجودها إلى الأمام فى منطقة (آسيا)، و(المحيط الهادئ)، خاصة، وأن «الولايات المتحدة» ستتمكن من الوصول إلى منشآت القاعدة البحرية والجوية فى «سنغافورة» حتى عام 2035.
وفى وقت سابق من هذا العام، أعلن الجيش الأمريكى عن خطط للاستفادة من الآلاف من القوات المتمركزة فى «واشنطن»، و«آلاسكا» و«هاواى» لنشرها على المدى القصير فى (آسيا)، و(المحيط الهادئ) بحجة زيادة التدريب مع الجيوش الإقليمية الأخرى، فى خطوة يرى بعض المحللين الغربيين أنها تحذير لدولة «الصين». وعلق قائد الجيش الأمريكى فى المحيط الهادى الجنرال «روبرت براون»، أن: «أى قضية ستنشأ فى بحر الصين الجنوبى، سيتعين على جميع القوى أن تعمل معًا لتكون ناجحة فى التعامل مع ذلك».
وفى بداية العام، افتتحت «الولايات المتحدة»، و«الفلبين» أول مرفق من بين عدة منشآت جديدة لزيارة القوات الأمريكية فى جزيرة «لوزون»، وستبدأ فى بناء قاعدة عسكرية أخرى فى «بالاوان» بمجرد توافر التمويل اللازم، وفقًا لما ذكره وزير الدفاع الفلبينى «ديلفين لورنزانا». جدير بالذكر، أن قاعدة «بالاوان» تحديدًا تعد ذات أهمية خاصة بالنسبة لـ«واشنطن»، نظرًا لقربها من بحر الصين الجنوبى، وفقًا للمدير التنفيذى لمنتدى المحيط الهادئ الفكرى «كارل بيكر».
هذه التحركات السابقة، هى جزء من تحركات «الولايات المتحدة» داخل القارة الآسيوية لتحجيم «الصين»، ناهيك عن وجود القواعد العسكرية الأمريكية الكبيرة داخل «كوريا الجنوبية»، و«اليابان» كما أشرنا من قبل فى الملف.
أما التحرك الأمريكى لتطويق «روسيا». فجانب تأمين «واشنطن» لوسط (اسيا)، بدأ الجيش الأمريكى نشر ما يصل إلى 400 جندى، وإرسال أسلحة ثقيلة إلى «بلغاريا» -أحد أعضاء حلف الشمال أطلسى منذ 2004 -، للقيام بتدريبات مشتركة مع «دول البلقان»، تستمر حتى 19 أكتوبر المقبل فى منطقة «نوفو سيلو»، التى تعد واحدة من كبرى القواعد العسكرية فى «بلغاريا»، وهى واحدة من المنشآت العسكرية الأمريكية - البلغارية الأربع المشتركة فى «دول البلقان».
وبالحديث عن «حلف الشمال الأطلسى»، الذى تعد «الولايات المتحدة» عضوًا أساسيًا فيه، إذ إن لديها شبكة من القواعد العسكرية الخاصة بها، يصل عددها إلى ثلاثين قاعدة مشتركة تقريبًا، وفقًا لما هو معلن، فى كل من دول: «الولايات المتحدة»، «المملكة المتحدة»، «ألمانيا»، «فرنسا» «إسبانيا»، «إيطاليا»، «هولندا»، «ألبانيا»، و«تركيا»، وغيرها.
وبالعودة للقواعد الأمريكية المشتركة، فقد قال الرئيس «ترامب» أثناء توقيعه على صفقة دفاع مع نظيره البولندى «أندريه دودا» فى الأسبوع الماضى، إنه: «من المرجح أن تقوم (واشنطن) بنقل قواتها من قواعد أخرى فى (أوروبا) إلى «بولندا». ووفقًا للإعلان المشترك بين البلدين، فإن «الولايات المتحدة» لديها حاليًا 4500 من القوات التناوبية فى القواعد الأمريكية - البولندية المشتركة. ومن المتوقع أن يرتفع هذا العدد بنحو ألف من الأفراد العسكريين الأمريكيين الإضافيين على المدى القريب.. تعد هذه التحركات الحديثة جزءًا من تحركات «واشنطن» لردع «موسكو»، إذ تسعى الأولى إلى تنفيذ مشاريع العمليات الخاصة مع «إستونيا»، إلى جانب «لاتفيا»، و«لتوانيا»، المعروفون بـ«دول البلطيق». فقد أجرت «واشنطن»، ودول (ناتو) أكبر التدريبات هناك، منذ ضم «روسيا» لـ«شبه جزيرة القرم» فى عام 2014.
أما فيما يخص قضية الإرهاب، التى تدعى «الولايات المتحدة» أنها تحاربه داخل بعض دول منطقة (الشرق الأوسط). فقد صار الجميع يعرف الغاية الأمريكية من مخطط إشعال المنطقة، بداية من تفككها إلى تأمين الكيان الصهيونى، والأهم المصلحة الخاصة للولايات المتحدة فى السيطرة على موارد المنطقة، واستنفاذها لصالحها. لهذا نرى زيادة فى عدد القواعد المشتركة خلال السنوات القليلة الماضية تستمر حتى الآن.
وكان آخر ما نشر عن القواعد المشتركة،هو ما قاله وزير الدفاع التركى «خلوصى آكار» فى مقابلة، يوم الخميس الأسبق، حيث أكد أن «تركيا» و«الولايات المتحدة» ستنشئان قواعد دورية مشتركة فى منطقة شمال شرق «سوريا» ـ الغنية بالنفط - كجزء من خطط لإقامة منطقة آمنة فى المنطقة، قائلاً: «نريدها أن تكون قواعد دائمة»!!.
ومن جانبه قال مسئول تركى لوكالة أنباء (شينخوا) رفض ذكر هويته، أن الاتفاق ينص على منطقة تمتد على مسافة 140-150 كم على طول الحدود التركية، التى تبدأ من بلدة (تل أبيض) فى شمال «سوريا». ووفقًا للجدول الزمنى المتفق عليه بين الوفود العسكرية، تم إنشاء مركز عمليات مشترك فى منطقة «أكاكالى» بجنوب «تركيا» لتنسيق عملية التنشيط.
إن عملية حصر القواعد العسكرية المشتركة لم يتم الإفراج عن أى تقارير لها حتى الآن، ولكن يتم الكشف عنها من خلال بعض التصريحات، أو العمليات، أو الأخطاء غير المقصودة. ولكن فى كل الأحوال إن تم البحث والتدقيق حول أماكنهم، فشأنهم شأن القواعد العسكرية الأمريكية الأحادية، سنجد تمركزهم فى أماكن استراتيجية، إما حول موارد الدول المستهدفة، أو لتطويق دول معادية، والتجسس على أخرى، أو لتجمع كل تلك الأهداف.