الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

عبده المغلس: الفقه المغلوط سبب تمزق المنطقة

عبده المغلس: الفقه المغلوط سبب تمزق المنطقة
عبده المغلس: الفقه المغلوط سبب تمزق المنطقة


قبل 5 أعوام سيطرت ميليشيا الحوثى المسلحة على كامل مؤسسات الدولة فى اليمن بما فيها المؤسسة العسكرية.. لتفرض واقعا مغايرًا، وتعيد تشكيل الخارطة السياسية فى البلاد.. حالة من الصراع والفوضى تداخلت أطرافه.. إذ يتشابك الصراع بين القبائل والعصبيات والتدخلات الخارجية.

الدكتورعبده سعيد المغلس، وكيل وزارة الإعلام اليمنى، قال إن الحادى عشر من سبتمبر 2014، كان ولا يزال جرحاً غائراً فى نفوس اليمنيين، يتذكرونه كل عام، لاسيما أنه جاء قبل أيام قليلة من ذكرى الثورة الأم فى 26 سبتمبر 1962 اليوم الذى أعلن فيه قيام الجمهورية العربية اليمنية.
ويرى أن الانقلاب الذى قام به الحوثيون فى صنعاء تم اختياره يوم 21 سبتمبر عن عمد لأنه يوم تنصيب الإمام محمد البدر عام 1962 وهو ما يرمز إلى الانقلاب على الجمهورية تحت مفهوم أهل البيت أكبر أكذوبة فى الفقه المغلوط بحسب تعبيره، ذهبنا لنحاوره لمحاولة معرفة أسباب الصراع اليمنى وبحثًا عن مخرج من هذا المأزق، وإلى نص الحوار:
 دائمًا ما تصف الأزمة اليمنية الآن بأنها نتيجة إشكالية ثقافية دينية فى الأساس.. من وجهة نظرك ما أسباب هذه الإشكالية؟
- أرى أننا نعانى جميعا فى عالمنا العربى من أزمة منهجية فى الأساس، تتلخص فى تبنى منهجية خاطئة لا تفرق بين الفقه كاجتهاد إنسانى قائم على فهم الإنسان لدين الله، بأدواته وسقوفه المحدودة، والدين الذى هو من الله مطلق المعرفة وخالق الناس، فهو يشمل الناس كافة، وأبدى يشمل الزمان والمكان حتى قيام الساعة، ولذلك هو دين صالح لكل زمان ومكان، ومن هذا الخطأ المنهجى نشأت كل مشاكل الأمة فتحول الفقه من الرأى والاجتهاد إلى دين، بديلاً للدين الحق، وأصبح كلام إمام المذهب، بديلاً لكلام الله، ومثال ذلك فقه الإمامة المغلوط، الذى تحول لدين مزق ودمر أمة الإسلام ولا يزال حتى اليوم، هذه الإشكالية المنهجية، تسببت بنكبة الأمة الإسلامية وصراعاتها وتخلفها، ومنعت المسلمين من عيش حاضرهم بزمانه ومكانه ومعارفه وفقهه.
وبالتالى فإن نكبة الخلط بين الفقه والدين -دون الفصل بينهما- جعل الفقه بديلاً عن الدين، وهو ما تدعو إليه معظم المنابر والجماعات والأحزاب الداعية للإسلام، فهم يرفعون دين الإسلام شعاراً، ويفرضون رأيهم وفقههم على الآخر وبهذا قادوا الأمة إلى العيش فى صراع دائم.
 وهل ترى أن اليمن يدفع الآن ثمن ذلك الفقه المغلوط؟
- ليس اليمن فقط من يدفع الثمن ولكننا نرى جميعا كيف أن نكبة الفقه المغلوط دمرت الأمة وأخرجتها عن سياقها، وهو ما أوجد ما يسمى بالتطرف والإرهاب، والدليل أن أحد أبرز المشاريع التى يواجهها الصراع فى اليمن اليوم هو مشروع الانقلاب الإمامى الطائفى فى صنعاء الذى يخدم المشروع الإيرانى وكذلك مشروع التطرف والإرهاب بهدف تمزيق الأمة، واعتبار البعض بأن أهل البيت لهم قداسة دينية وعصمة، وأحقية بالحكم والسلطة، وأنهم مفاتيح دينه ورسالته، ويزعمون أن هذا وصية الله وشرعه، وهذا الاعتقاد نشأ عن تأصيل فقهى مغلوط بأحقية أهل البيت فى الإمامة وللحكم، وبموجبه حُكمت اليمن طوال عقود باسم هذا الفقه المغلوط الذى أخرج اليمن من دورها وريادتها.
 الوضع فى اليمن أصبح ملتبسا على الكثيرين من يحارب من؟
- حتى نفهم الصورة بشكل أوضح للأزمة اليمنية الراهنة علينا أن نعلم أن اليمن كان يحكم بالعصبية القبلية قبل إعلان الوحدة اليمنية رسميا فى 22 مايو 1990 واعتبار على عبدالله صالح رئيسا للبلاد وعلى سالم البيض نائبا لرئيس الجمهورية اليمنية، لكن اليمن لم تشهد ذلك التطور بشكل طبيعى وغلب عليها الهيمنة سواء لحزب أو عصبية أو مذهب، لذلك عندما تكونت الوحدة واقترنت بالعملية الديموقراطية بدأ الصراع، فالحزب الاشتراكى يريد أن يهيمن وسلطة القبيلة برئاسة على عبدالله صالح تريد أن تهيمن هى الأخرى، وبين أحادية الحزب من جانب وأحادية القبيلة من الآخر، سيطرت سلطة القبيلة وألغى الحزب مما ترك انعكاسه وآثاره على الجنوبيين، حيث تم عزلهم من الوظائف العسكرية والمدنية ومن هنا نشأت جذور المشكلة اليمنية الحالية كنتيجة ثقافة الهيمنة والأحادية والتى نتج عنها حرب 1994 والقضية الجنوبية كقضية حقوقية، وبقيت إشكالية اليمن قائمة على ركيزتي الهيمنة على السلطة والثروة.
 بعد أحداث 2011 لماذا لم يتم تدارك هذه الأخطاء ووضع اتفاق عادل يضمن لكل من أبناء الشمال والجنوب حقوقهم؟
- بالفعل حاول الرئيس عبد ربه منصور هادى بعد وصوله للسلطة، وهو سياسى محنك ورجل مثقف يفهم أبعاد الأزمة الجنوبية جيداً، وأراد أن يخرج اليمن من إشكالية الصراع الأزلى حول السلطة والثروة فدرس تجارب الدول الاتحادية حول العالم مستعينا بالخبراء، وبرزت فكرة الحوار الوطنى واستمر الحوار بين جميع الأطراف اليمنية وانتهت عنها مخرجات الحوار الوطنى التى تحل كل مشاكل البلاد وأبرزها القضية الجنوبية وحل مشكلة الصراع حول السلطة والثروة فى اليمن وخرجت أيضا ببناء دولة اتحادية من ستة أقاليم بحيث لا يسمح بهيمنة طرف على الآخر وأن تبنى الدولة على أساس جديد هو المواطنة وإلغاء جميع العصبيات الحزبية والقبلية والمذهبية ويتم توزيع السلطة بين جميع فئات المجتمع من خلال الاتفاق على طريقة انتخاب تكون وفقا للقائمة الحزبية، إلا أن بعض القوى فى الشمال والجنوب لا تريد هذا الأمر، وتريد العودة إلى الهيمنة والاستيلاء على السلطة والثروة مما أدى إلى حدوث انقلاب الإمامة فى صنعاء وانقلاب الانفصال فى عدن.
 وكيف تحول الصراع فى اليمن إلى صراع دولى؟
- الدوافع الاقتصادية جعلت الكثير من الأطراف الخارجية تدخل فى الصراع، إذ أصبح الصراع اليمنى الآن مرتبطا بالمصالح الأجنبية التى تقودها الدوافع السياسية والاقتصادية أو ما يطلق عليه الاقتصاد الأزرق - اقتصاد البحار والمضايق والممرات البحرية - وأبرزها المشروع الإيرانى للهيمنة على المضايق فامتداد خط الملاحة من باب المندب إلى قناة السويس يربط 4 قارات أستراليا وأسيا وأفريقيا وأوروبا، والاقتصاد الأزرق قلبه وجوهره باب المندب وقناة السويس وغلق هذين الممرين تكلفته الاقتصادية مرتفعة وبالتالى دخل العامل الاقتصادى فى الصراع فى اليمن فأصبح الصراع مركبا بين عامل محلى يتضمن الهيمنة والنفوذ بين القبائل والعصبيات وصراع اقتصادى دولى يمتد من بحر الصين الجنوبى مرورا بمضيق ملقا إلى البحر الأبيض المتوسط، فاليمن فى قلب هذا الصراع ولهذا فهى تدفع ثمن موقعها الجغرافى.
 فى ضوء التطورات التى تشهدها المنطقة العربية.. كيف ترى الأزمة اليمنية؟
- ما يحدث فى اليمن اليوم هو امتداد للصراع الذى يسود الآن العالم العربى المراد تمزيقه على كل المستويات الدينية والقومية والشعبية والوطنية، خدمة للمشروع الصهيونى وأدواته إيران وقطر لتفتيت المنطقة بإيجاد تطرف شيعى وتطرف آخر سنى، من خلال توظيف ما عانت منه الشعوب العربية من ظروف اجتماعية واقتصادية قاسية فهل يعقل أن يحرق أحدهم نفسه فى تونس وعلى إثر ذلك تشتعل المنطقة بأكملها؟!، وانقلاب الإمامة بصنعاء ثم انقلاب الانفصال بعدن كان ضمن هذه اللعبة، حيث بدأ المشهد بانقلاب للميليشيا الحوثية الإيرانية بالتحالف مع الرئيس السابق على عبدالله صالح على العملية السياسية، وأوصل هذا الانقلاب المشروع الإيرانى ليسيطر ويشكل تهديداً أمنياً واستراتيجياً على اليمن والمنطقة، وأعلن استهدافه للمملكة العربية السعودية الشقيقة وما تمثله من موقع ودور وتأثير.
 بعد وجود هذا الصراع المركب داخليًا وخارجيًا.. هل اليمن مازال لديه إمكانية للقوة والتوحد مرة أخرى؟
- واقعاً لديه إمكانيات القوة والتوحد، فلديه شرعية الدولة ممثلة بفخامة الرئيس هادى ولديه مشروع مخرجات الحوار الوطنى لبناء الدولة الإتحادية، الذى هو مشروع الخلاص من أغلال الماضى وعصبياته، كما هو مشروع بناء المستقبل، لكن أغلال العقل مهيمنة، وهى مشكلة كل الأحزاب والتكتلات التى لم تستطع استيعاب لحظة الميلاد التاريخية  للشرعية اليمنية ومشروعها، فلن نخرج من هذه المعاناة ما لم يتم أولاً تحرير العقل من أغلال الفقه المغلوط فهو المكون الأساس للعقل، وثانياً استعادة جوهر دين الإسلام الحق وقيمه فى العبادية والاستخلاف والتعارف والشهادة على الناس، والتعايش القائم على المواطنة وليس العصبية بكل مسمياتها، وهو ما يقدمه مشروع الدولة الإتحادية بأقاليمها الستة، وهذا ما وصلت إليه شعوب العالم من حولنا بفطرتها النقية، التى تمثل جوهر دين الإسلام، لأنها غير محكومة بأغلال الفقه المغلوط، فتطورت وواصلت مسيرة الإنسان.
 وما هى روشتتك لخروج عالمنا العربى من هذا المأزق؟
- لن تخرج المنطقة من هذه المأساة والإشكالية الدامية، دون تصحيح هذا المنهج الخاطئ والفقه المغلوط، بالخروج من دين الفقه، إلى دين الله الحق، الذى هو من الله الحى الدائم، لتمارس كأمة وشعوب حية الحياة فى عصرها هى، بدينها ودورها ورسالتها، وفق فقهها هى - فهمها واجتهادها- لزمانها ومكانها ومعارفها وأدواتها المعرفية. 