الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

هل أنهت موارد «أفغانستان» مهمة «بولتون» فى «البيت الأبيض»؟

هل أنهت موارد «أفغانستان» مهمة «بولتون» فى «البيت الأبيض»؟
هل أنهت موارد «أفغانستان» مهمة «بولتون» فى «البيت الأبيض»؟


فى مفاجأة جديدة، قام الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب»، يوم الثلاثاء الماضى، بطرد مستشاره الثالث للأمن القومى «جون بولتون»، وسط نزاعات جوهرية حول كيفية التعامل مع تحديات السياسة الخارجية الأمريكية الكبرى، مثل قضايا: «إيران»، و«كوريا الشمالية»، و«فنزويلا»، وآخرها فى «أفغانستان»، ولكن المفاجأة لم تكن فى قرار الإقالة، إذ إنه صارت قرارات الطرد أمرًا معتادًا من قِبَل «ترامب»، ولكن الشخص المطرود تحديدًا، هو ما لم يتوقعه الكثيرون فى الوقت الحالى، إذ كان المُعتقد السائد، هو أن «بولتون» كان ينفذ سياسات الإدارة الأمريكية الحالية!
لذلك كانت تغريدات الرئيس الأمريكى على موقع التواصل الاجتماعى «تويتر»، التى احتوت على قرار الإقالة، والأسباب المثيرة للريبة؛ حيث كتَب «ترامب»: «لقد أبلغتُ «بولتون» بأن خدماته غير مرغوبة داخل «البيت الأبيض».. وأرفض بشدة العديد من اقتراحاته، مثل آخرين فى الإدارة الأمريكية.. وبالتالى طلبتُ من «جون» التقدم باستقالته، التى قدّمها لى هذا الصباح».
الأغرب هو ما  تناولته الصحف الأمريكية، بأن «بولتون» الصقر الجمهورى القديم والمعروف بأسلوبه الدموى الذى يميل إلى الحروب، قد قضى معظم فترة ولايته فى محاولة كبح الرئيس عن إبرام اتفاقيات اعتبرها غير حكيمة مع أعداء «الولايات المتحدة».. مؤكدين أن خلافاتهما وصلت إلى ذروتها فى الأيام الأخيرة، إذ استطاع «بولتون» منع الرئيس الأمريكى من توقيع اتفاق سلام فى «كامب ديفيد» مع قادة حركة «طالبان» الأفغانية، وبالفعل كان «ترامب» قد أعلن فى عدة تغريدات خلال الأسبوع الماضى عن إلغاء محادثات السلام مع «طالبان»، كما صرّح أيضًا أمام الصحفيين، بتخلى بلاده عن المفاوضات بعد قرابة عام من المحادثات، ملقيًا باللوم على مستشاره للأمن القومى- حسبما ذكرت التقارير الإخبارية.
مجلة «روزاليوسف» تنبأت فى العدد الأسبق، فى موضوع بعنوان: «سيناريوهات كابول السرية فى المخابرات المركزية» بفشل المفاوضات بين «البيت الأبيض»، و«طالبان»، إذ اختلف الجانبان فى عدة نقاط أثناء المفاوضات، وكان على رأسها طلب «واشنطن» بوقف دائم لإطلاق النار بين «الولايات المتحدة»، و«طالبان»، وقوات الحكومة الأفغانية المدعومة أمريكيّا، قبل إبرام الاتفاق، ولكن الحركة أصرت على تأجيل هذا الوقف، حتى تنسحب القوات الأمريكية من أراضيهم تمامًا. وبالفعل أعلنت «طالبان» مسئوليتها عن الهجوم الذى وقع فى «كابول» يوم الاثنين الماضى. كما توعدت فى اليوم التالى بمواصلة القتال ضد القوات الأمريكية فى «أفغانستان».. مؤكدةً أن «واشنطن» ستندم على تخليها عن المفاوضات.
وبعيدًا عن كل تلك الأحداث السريعة المتتالية، التى تهدف لتشتيت الانتباه عن حقيقة الأحداث.. تُعد إحدى أهم العِبارات المثيرة التى فسرت قرار الرئيس الأمريكى تجاه «بولتون»، هى اختلاف وجهة نظره مع الإدارة الأمريكية. ورُغْمَ عدم الإعلان عن طبيعة وجهات النظر المختلفة بينهما؛ فإن أهداف «البيت الأبيض» تجاه «أفغانستان» بات بعضها معروفًا.. فلدَى «البيت الأبيض» أجندة عسكرية واقتصادية تشمل استمرار تواجُد القوات العسكرية الأمريكية هناك.
أول الاهتمامات الأمريكية كانت استغلال موارد الأراضى الأفغانية النادرة والقيمة. فكانت وزارة الدفاع الأمريكية قد وضعت خريطة لأفغانستان منذ عام 2012م، أظهرت فيها بالتفصيل ثروات البلاد المعدنية، إذ تبين فيها أن «أفغانستان» تجلس على موارد طبيعية مربحة جدّا.
جريدة «نيويورك تايمز» نقلت عن مصدر فى الإدارة الأمريكية، أن قائمة احتياطيات «أفغانستان» تشمل موارد: «النحاس، والذهب، والكوبالت»، والأحجار الكريمة وشبه الكريمة، وحتى «الليثيوم»، الذى يعمل على تشغيل البطاريات والأجهزة العسكرية، مثل: الصواريخ، وحتى الأسلحة النووية، ولكن بدلًا من أن يستفيد الأفغان من تلك الموارد لصالحهم، أُغرقوا- بطريقة ما- فى زراعة «الخشخاش»، الذى تفوق أراضيه بكثير نسب مزارع «الكوكايين» فى «كولومبيا»، و«بيرو»، و«بوليفيا» مجتمعين. وانشغل الأفغانيون أيضًا بتهريب مخدر «الهيروين». فيُذكر أنه بعد مرور عام واحد فقط من تدَخُّل التحالف الغربى، أصبحت «أفغانستان» المحتكر الأول للهيروين على المسرح العالمى؛ حيث أنتجت أكثر من 60 ٪ من المعروض العالمى.
وبالعودة للموارد الثمينة والنادرة داخل الأراضى الأفغانية، فقد أكد مسئولون أفغان أن حليف «ترامب»، رجل الأعمال الشهير «إريك برنس» يتأهب للانضمام إلى شراكات مربحة داخل الأراضى الأفغانية خلال المرحلة المقبلة، دون ذكر تفاصيل. كما وقَّعت «هيئة المسح الجيولوجى» الأمريكية ميثاقًا خلال وقت سابق من هذا العام مع الحكومة الأفغانية بلغت قيمته «تريليون» دولار من ثروة الموارد الطبيعية هناك، وفقًا لاثنين من الاستشاريين العاملين بوزارة «المناجم والبترول» الأفغانية، وبعدها أوضح بيان من مسئولى «البيت الأبيض»، أن: «مثل هذه المبادرات من شأنها أن تساعد الشركات الأمريكية على تطوير مواد مهمة للأمن القومى الأمريكى».
أمّا الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية  (USAID)، فقداستضافت اجتماعًا موسّعًا فى «كابول» فى فبراير 2018م، من أجل دعم مشاركة أكبر فى قطاع التعدين. وقد صرح السفير الأمريكى لدى «أفغانستان» «جون باس» وقتها بأن: «تطوير قطاع التعدين فى «أفغانستان» يوفر إمكانات كبيرة للتوظيف ونمو الاقتصاد». وجدير بالذِّكر أن الوكالة رفضت إصدار قائمة بأسماء الضيوف الذين حضروا هذا الحدث!
على كلِّ، تأتى هذه الشراكات الأمريكية فى وقت يرتفع فيه الطلب على المعادن النادرة التى تعج بها أراضى «أفغانستان»، لا سيما فى مناطق مثل: مقاطعة «غزنة»، إذ تؤكد الدراسات الدولية أنه يمكن أن تلك المقاطعة تضم أكبر احتياطى من الليثيوم المعدنى فى العالم.
ومن جانبهم، قال مسئولون ومقاولون أمريكيون داخل الأراضى الأفغانية إن أى اتفاق ينطوى على انسحاب كامل للقوات الأمريكية يمكن أن تكون له عواقب وخيمة، مُدّعين أن القوات الأمريكية، هى التى تحرس تلك المناطق. كما يرى «ترامب» أن مثل هذا الاستثمار، يمكن أن يساعد الاقتصاد الأمريكى، ويؤمّن الوظائف، ويتحدى هيمنة «الصين»، كما يمنع سيطرة أىٍّ من «إيران»، و«باكستان»، أو «روسيا» على ثروات الأراضى الأفغانية.
لكن فكرة ضمان عدم سيطرة تلك الدول لا تقف عند الموارد الأفغانية النادرة فحسب، بل تشمل الأجندة الأمريكية جميع المجالات؛ خصوصًا فيما يخص الوقوف ضد المصالح (الصين) فى الفترة الحالية، إذ إن الهدف الآخر غير المعلن للوجود العسكرى الأمريكى فى «أفغانستان»، هو إبعاد الصينيين؛  لذلك فإن وجود قواعد عسكرية أمريكية فى «أفغانستان» على الحدود الغربية للصين يُعد جزءًا من عملية أوسع تهدف إلى التطويق العسكرى لدولة «الصين». فيُذكر، أنه بموجب الاتفاق الأمنى «الأفغانى- الأمريكى»، أقامت «واشنطن» وشركاؤها فى حلف الشمال الأطلسى «ناتو» وجودًا عسكريّا دائمًا مع وجود منشآت عسكرية داخل الأراضى الأفغانية. وكان الهدف من الاتفاقية هو السماح للولايات المتحدة بالاحتفاظ بقواعدها العسكرية التسع الدائمة، والموجودة فى موقع استراتيجى على حدود «الصين»، و«باكستان»، و«إيران»، وكذلك «تركمانستان»، و«أوزبكستان»، و«طاجيكستان)».
ومع ذلك، لم يمنع الوجود العسكرى الأمريكى من توسيع العلاقات التجارية والاستثمارية بين «الصين»، و«أفغانستان». فقد  تم توقيع اتفاقية  شراكة استراتيجية بين «كابول»، و«بكين» فى عام 2012م. كما تتعاون «أفغانستان»، و«الصين»، و«باكستان»، و«إيران» فى مشاريع خطوط أنابيب النفط والغاز. وتوفر أيضًا منظمة شنجهاى للتعاون، التى تضم كلّا من «تركمانستان»، و«أوزبكستان»، و«طاجيكستان» منهاجًا جيوسياسيّا لدمج «أفغانستان» فى مَمرات الطاقة، والنقل للمنطقة الأوروآسيوية.
وما يزيد من مخاوف الإدارة الأمريكية، هو عدم توقف الأمر عند هذا فحسب، إذ تتنافس تكتلات التعدين الصينية الآن على السيطرة الاستراتيجية على سوق الليثيوم العالمية، التى كانت حتى وقت قريب تحت سيطرة شركات: (Sociedad Química y Minera de Chile)، و(Albemarle’s Rockwood Lithium)، و(FMC Corporation)، وبالطبع، لن تتهاون الحكومة الصينية فى حقها من تجارة الليثيوم مع «أفغنستان».
هذه الأسباب، وغيرها التى لاتزال مجهولة، كانت سببًا فى تفكير «ترامب» فى إجراء صفقات مربحة، أنهاها مستشاره للأمن القومى، ولكنه أنهى معها مهمته داخل «البيت الأبيض»، بعد فترة 17 شهرًا، عمل فيها «بولتون» على نشر قوات إضافية فى «الشرق الأوسط»، وتصعيدات كبيرة مع «إيران»، بالإضافة إلى التدخل فى الشأن الفنزويلى، الذى وصل إلى التهديد الأمريكى بالعمل العسكرى.. وغير ذلك من القرارات العسكرية.
وفى النهاية، قال «البيت الأبيض» إن نائب مستشار الأمن القومى الأمريكى «تشارلز إم. كووبرمان»، سيصبح القائم بأعمال مستشار الأمن القومى الأمريكى، حتى يقوم «ترامب» بتعيين مستشار جديد خلال هذا الأسبوع.