الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

مكافحة «الإرهاب المحلى».. تورط واشنطن!

مكافحة «الإرهاب المحلى».. تورط واشنطن!
مكافحة «الإرهاب المحلى».. تورط واشنطن!


لطالما دار الحديث خلال السنوات القليلة الماضية، بأن الغرب  تذوق مرارة أفعاله، بعد أن انتشر أعضاء تنظيم «داعش» الإرهابى داخل مجتمعاتهم، بل تجرع مجتمع الاستخبارات الغربى من الكأس نفسها التى أعدوها من أجل إشعال منطقة (الشرق الأوسط). ولكن يبدو أن الوضع- الآن- تعدى مرحلة توغل الإرهابيين الأجانب وسطهم، إذ بدأت التقارير الأمنية تشير إلى عودة نشاط  جماعات محلية إرهابية قديمة، ظلت ساكنة لعقود، وهم من يُطلق عليهم «الفاشيين البيض»، والأخطر، هم مناهضوهم، الذين ظهروا كرد فعل إرهابى معاكس.

«الفاشيين البيض» هم متطرفون من أصحاب البشرة البيضاء، الذين يؤمنون بتفوق العرق الأبيض، وسيادته فى النواحى الاجتماعية، السياسية، والصناعية، والاقتصادية فى مجتمعاتهم. ويدعون إلى الاعتداءات، والعنف ضد من يطلقون عليهم «الملونين». وتتواجد هذه المنظمات فى الدول ذات الأغلبية البيضاء فى (أوروبا)، (أمريكا الشمالية)، (أستراليا)، (أمريكا الجنوبية). والمثير، هو ملاحظة عدد من الخبراء العالميين، أن عودة نشاطهم ظهرت مع تولى عدد من الشخصيات اليمينية المتطرفة رئاسة بعض الدول الغربية، أو توليهم مناصب قيادية عليا، ما شجع هؤلاء المتطرفين على العودة، وممارسة أنشطتهم العنصرية والعدائية. ومن جانبه، كان مدير «مكتب التحقيقات الفيدرالى» (FBI) «كريستوفر إيه. راى» قد حذر - منذ أيام - من ارتباط معظم الاعتقالات المتعلقة  بالإرهاب هذا العام، بإرهاب «سيادة البيض».
وفى أعقاب إطلاق النار الجماعى فى الحادثتين المتتاليتين الأخيرتين داخل (الولايات المتحدة) فى «إل باسو» بولاية (تكساس)، و«دايتون» بولاية (أوهايو) فى يومى 3، و4أغسطس الجارى، واللتان أسفرتا عن مقتل وإصابة العديد من الأبرياء، صُنفتا الحادثتان على أنهما أعمال كراهية، وإرهابية محلية، الأولى نفذها «متطرف أبيض»، بينما قام «مناهض للفاشية» بتنفيذ الحادثة الأخرى. وكرد فعل من الحكومة الأمريكية، كانت الفكرة التقليدية، التى تم اقتراحها لمواجهة هذا الأمر، هى إطلاق نسخة جديدة من فكرة «الحرب على الإرهاب» بصورة محلية أمريكية، وهو ما اعتبره عدد من الخبراء الأمريكيين بأنها واحدة من أسوأ الأفكار على الإطلاق؛ لأنها خطيرة، وغير مدروسة، ولن تكون فى صالح (الولايات المتحدة) داخليّا.
فقال كل من الجنرال السابق فى مشاة البحرية الأمريكية «جون آلن»، الذى كان الرئيس الأمريكى السابق «باراك أوباما» قد عينه مبعوثًا خاصّا يتعامل مع تنظيم «داعش» الإرهابى فى عام 2014، وخلفه «بريت ماكجورك» فى عام 2015، واستمر يمارس أعماله تحت قيادة الرئيس الأمريكى الحالى «ترامب» حتى ديسمبر الماضى، فى مقاله بعنوان: «لقد عملنا على هزيمة التنظيم الإرهابى.. الإرهاب الأبيض المحلى تهديد مماثل»، أن: «لقد عملنا مع جميع الإدارات الأمريكية، والوكالات فى حكومة (الولايات المتحدة)؛ لتطوير حملة شاملة، متعددة الأوجه، من أجل هزيمة إرهابيى «داعش» فى ساحة المعركة.. ولكن هذه المرة، يريدون أن تكون الحرب على الإرهاب فى الداخل الأمريكى، وتركز على المتطرفين البيض. إنها قضية خطيرة تتطلب التفكير، والعمل الجاد. لكن الإجابات المبسطة، مثل: شن حرب أمريكية داخلية على الإرهاب، ستؤدى بالتأكيد إلى عواقب غير مقصودة تستمر لعقود، وقد تكون أسوأ من تلك الناجمة عن الحرب العالمية الأصلية ضد الإرهاب الجهادى».
فبعد هجمات «11سبتمبر» رأت «واشنطن»، أن شن حرب عالمية على الإرهاب،تعد فكرة جيدة بالنسبة لأجندتهم الخاصة. ومُنحت الحكومة الأمريكية - على إثرها - صلاحيات جديدة موسعة لخوض هذه الحرب الكارثية بكل المقاييس. فقد عَرف الجميع فيما بعد، أن «وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) قامت بتعذيب الكثيرين بطرُق مهينة ومميتة، كما تجسس «وكالة الأمن القومى» (NSA)  الأمريكية سرّا على ملايين المواطنين الأمريكيين، وغيرهم داخل «الولايات المتحدة»، دون موافقة المحكمة الأمريكية.
وأدى الغزو الأمريكى لـ (العراق)، إلى خرابها وظهور جيل ناشئ فى فوضى سياسية واجتماعية، ومشتت تمامًا جراء الحرب. هذا، بالإضافة إلى أن المحصلة النهائية للحرب، هى قتل ما بين 480 ألفًا، و507 ألف شخص بصورة مباشرة فى مناطق القتال، بعد 11سبتمبر، حتى أكتوبر 2018، فى دول: (العراق)، و(أفغانستان)، و(باكستان)، وفقًا لما هو معلن من دراسة أجريت بعام 2018، من قبل مشروع «تكاليف الحرب» فى مركز «واتسون للشئون الدولية والعامة»، بجامعة «براون». ناهيك عن عدد القتلى، الذين لقوا حتفهم بشكل غير مباشر جراء هذه الحرب، وغيرهم من القتلى فى الحروب بدول مثل: (لبييا)، و(سوريا) التى تجاوز عدد ضحايا فى أرض المعركة المباشرة، أكثر من 500 ألف حالة وفاة، منذ عام 2011، وفقًا للتقرير نفسه، وعدد من دول منطقة (الشرق الأوسط). وأغلب أعداد الضحايا من الأبرياء لم ولن يعلن حقيقتها، وذلك من أجل إخفاء جرائم الحرب الأمريكية لأعمال القتل الجماعى للمدنيين!!
وأكد المسئولان «آلن»، و«ماكجورك»، أن «داعش» كان نتاج المخططات الأمريكية فى (الشرق الأوسط)..أى أن (الولايات المتحدة) لم تذهب فى الحقيقة إلى (العراق) من أجل محاربة التنظيم الإرهابى، بل التنظيم هو من نشأ جراء الفوضى والعنف، الذى خلفه الغزو الأمريكى للعراق، وبالتالى فإن صعود الإرهابيين، كان نتيجة للحرب العالمية على الإرهاب. بمعنى آخر، فإن فكرة: (الولايات المتحدة) هى من هزمت «داعش»، هى تجاهل صريح لتلك الحقائق السابقة.
كما أشارا إلى وجود تشابه كبير بين تنظيم «داعش» و«الفاشيين البيض»، فالاثنان مدفوعان بالروايات البغيضة، والتجريد من الإنسانية، وتشجيع العنف، وتمجيد القتل، بالإضافة إلى إمكانية الوصول بسهولة إلى المُجندين، وإمدادهم بالأسلحة، كما يتم تشجيع هجماتهم من قبل أتباع يسهل الوصول إليهم عبر الإنترنت.
واقترحا ضرورة إعادة الحكومة الأمريكية لبعض الأدوات والتكتيكات المستخدمة ضد «داعش» إلى (الولايات المتحدة)، لكنهما لم يوضحا تمامًا أى جزء من الحرب على «داعش» يجب استخدامه داخل الأراضى الأمريكية. ومن هذه النقطة تحديدًا يعيش صناع القرار الأمريكى الآن فى قلق من تحوّل (الولايات المتحدة) ببساطة إلى منطقة حرب!!
تقرير مشابه لما نُشره «آلن»، و«ماكجورك»، كان قد كتبه مجموعة مكونة من ستة من كبار المديرين السابقين لمكافحة الإرهاب فى «مجلس الأمن القومى» الأمريكى، من كلا الحزبين (الديمقراطى، والجمهورى)، وهم: «جوشوا جيلتزر، ونيكولاس راسموسن، وجين إيسترلى، ولوك هارتيج، وكريس كوستا، وجاويد على»، فى بيان مشترك، كُتب فيه: «ندعو حكومتنا إلى النظر فى معالجة هذا النوع من الإرهاب باعتباره أولوية قصوى، مثل مكافحة الإرهاب الدولى منذ 11سبتمبر..هذا يعنى أيضًا توفير ضخ كبير للموارد لدعم البرامج الفيدرالية، والمحلية، التى تهدف إلى منع التطرف، والعنف الموجّه من أى نوع». ولكن بعض هؤلاء الموقّعين الست على البيان، أدركوا على الفور خطأ النصيحة الأخيرة، إذ كتب «جوشوا جيلتزر» على موقع التواصل «تويتر»، إن: «التغلب على الإرهاب الأمريكى الداخلى، لا يعنى إعادة عمياء لما قامت به (الولايات المتحدة) خلال محاربة الإرهاب الجهادى.. بل يعنى استيعاب الدروس السابقة، وتكييفها مع هذا السياق الحالى». بمعنى آخر، تتم الاستفادة من النماذج الجيدة من الحرب العالمية على الإرهاب، وليس النماذج السيئة، أى مراعاة حقوق الإنسان الأمريكى، فيما يخص «القتل الخطأ» للمدنيين الأبرياء، بعكس الذى حدث ضد شعوب منطقتى (الشرق الأوسط، والأقصى)، وهو ما يُعتبر مثالًا واحدًا فقط لما نفذته (واشنطن) فى ادعائها بمكافحة الإرهاب العالمى.
ولكن الجدال بين الطوائف السياسية الأمريكية لايزال فى بدايته، والتحركات الاستخباراتية، والتشريعية لاتزال أيضًا فى مرحلة التحضير، وبعكس القرارات السريعة، التى اتخذت ضد الإرهاب الجهادى عقب أحداث 11سبتمبر، يرى بعض الخبراء الأمريكيين، أن التحركات ضد الإرهاب المحلى الأمريكى قد يتخذ وقتًا أطول، وهو ما يظهر فى ردود الفعل الهادئة نسبيّا على الهجمات الإرهابية، التى نفذها «الفاشيين البيض» خلال الفترة الأخيرة، مقارنة بردود الفعل الأمريكية فور تنفيذ عملية إرهابية جهادية. وفى الوقت الذى يطلب فيه العديد من الناس بإطلاق مسمى «إرهابيين» على المتطرفين البيض من قِبَل المسئولين، وفى وسائل الإعلام، ومواقع التواصل الاجتماعى. لم تتم الاستجابة بشكل فعال لتلك المطالب، ولم يتم حتى التحدث بوضوح وشفافية عن هذه القضية. وأرجع البعض السبب فى أنهم ليسوا من دول معادية للغرب، أو مستهدفة منها. 