شارع الألفى.. شانزليزيه الشرق

ابتسام عبد الفتاح
خطوات جادة اتخذت خلال الفترة الأخيرة، لإعادة القاهرة لرونقها المعهود، وبدأت بمشروع القاهرة الخديوية، وعمليات تطوير أخرى، وكل يوم تظهر الجماليات على أرض الواقع.
«الألفى» من الشوارع التى شملتها عملية التطوير، والتى رُوعى فيها عدم وجود مساحة للمخالفات، إذ تم تحديد مساحات مخصصة للمقاهى والكافيهات، ووُضعت أسوار حديدية حول كل مقهى للحد من عشوائية الجلوس وجعلها أكثر تنظيمًا، وحتى لا يكون هناك مجال للتعدى على حرم الشارع، مع توحيد كراسى المقاهى، وتركيب حوامل حديدية لوضع آنية الزرع أمام المقاهى والمحلات التجارية، مما يعطى منظرًا جماليًا للممر.
يوجد بالشارع 30 كافيه، بالإضافة إلى المطاعم الشهيرة والشعبية، كما أن خلفية المحلات والكافيهات موحدة على اللون البيج، بالإضافة إلى الممشى السياحى الذى ينافس غيره فى أوروبا، إذ كان القرار من البداية هو تخصيص منتصف الشارع كممر للمشاة فقط، وتغيير واجهات المحلات لتتناسب مع الشكل العام الحضارى، إلى جانب طلاء البلاط الإسمنتى والجرانيتى المستخدم فى أرضية الشارع، وهناك مساند حديدية مخصصة لرواد الممر بعد إزالة المقاعد الرخامية التى كانت مثبتة بأرضيته.
الشارع أصبح مقصدًا لتصوير الأعمال الفنية، فلا يمر يوم إلا ويكون به تصوير لأعمال فنية ومنها مسلسل الحرباية لهيفاء وهبى، والفيلم الأخير لعلى ربيع.
«روزاليوسف» التقت رواد الشارع، لتعرف منهم الفارق قبل وبعد تجديده.
مى عيد قالت : لا أفوت الفرصة كلما أكون بالقرب من الشارع مع زميلاتي للتصوير فيه، خاصة إننا أمام مناظر جمالية تجعلنا نريد كل يوم التصوير فيه، وكل أسبوعين تقريبًا لنا زيارة له.
«مقاعد خشبية بالشارع أمر ممتع»، هكذا وصفها المهندس محمد عبدالسلام، وقال: «إحنا العواجيز لو تعبنا من المشى هنا فى الشارع هنلاقى مكان نقعد فيه من غير ما ندفع مليما، كما أن الشارع به مشروع ثقافى هائل وهو المكتبة الموجودة به وأجمل ما يميزه مكتبة «ضع كتابًا وخذ كتابًا» وهنا نشعر بعودة الأربعينيات والخمسينيات، وهو أن يتجول المواطن مستمتعًا بالهدوء.
ياسر زكريا جاء مع أسرته للترفيه بالشارع ويأخذ الصور، وقال: «شارع الألفى أصبح من الأماكن الخاصة بالشباب والمثقفين محدودى الدخل، إذ إنهم يجلسون على المقاعد ويستمتعون بالأجواء دون أى تكلفة، والأولاد يلعبون دون خوف عليهم فهناك كاميرات للمراقبة بشارع، وهو أيضًا ترفيه لجميع طبقات المجتمع.
الحاج محمد التونسى صاحب أحد الكافيهات بالشارع يقول: «تم تشكيل ما يسمى بأمناء محلات وسط البلد منذ عام بالاتفاق مع رئيس الحى ومحافظة القاهرة، وتم تحديد 12 قيادة له بالإضافة للأعضاء بلجنة أمناء المحلات والتي تتكون من مجموعة من التجار، وتهدف لجنة أمناء محلات وسط البلد لتطوير الشوارع بوسط البلد، وتعقد لجنة أمناء محلات وسط البلد مع أعضاء من المحافظة اجتماعًا شهريًا.
وأضاف: تجديد شارع الألفى جعله مكانًا ترفيهيًا للمصريين والسائحين، وتحول رواد الشارع من مواطنين عاديين يقضون مصالحهم ويجلسون على المقهى للاستراحة لمواطنين يأتون للترفيه وقضاء وقت ممتع بوسط البلد.
وأوضح أنه بعد تجديد شارع الألفى اختفت المشاجرات نهائيًا، من احتكاك أصحاب المقاهى على استغلال أماكن خاصة لهم، فكل مقهى أصبح محاطا بأسوار حديدية، ومجلس أمناء محلات وسط البلد والحى والمحافظة يشرفون على سير الشارع يوميًا والشرطة ومباحث التموين متواجدون طوال اليوم، مؤكدًا أنه تم تجديد شارع البورصة، ولن يكون به مكان للكافيهات، إذ أن الشارع كله للبازارات ولكنه تم منع تواجد الكافيهات، وهناك اقتراحات لتطوير شارعى سوق التوفيقية وزكى.
محمد حسين صاحب عربة أيس كريم بشارع الألفى قال: أستغل الشكل الجمالى فى الشاعر فى الدعاية للآيس كريم على «فيسبوك» وهو ما يجذب جميع الفئات العمرية لزيارة الشارع، مضيفًا: محافظة القاهرة ساعدتنا بتقديم كل التسهيلات للحصول على رخصة العربة، والشارع به 10 عربات نشاطها ما بين أيس كريم وغزل البنات والوجبات الجاهزة والمشروبات الباردة، والمشكلة الوحيدة هنا هي أطفال الشوارع.
فوتوسيشن ولا أروع
تطوير شارع الألفى ساعد المصورين، ليكون لديهم مكان جديد فى قائمة الأماكن المقترحة لتصوير الفوتوسيشن خاصة للعرائس، ويقول أحمد على مصور فوتوغرافى: «كنت أفضل التصوير بشارع المعز، لكن بعد تطوير شارع الألفى أصبح مكانًا جيدًا للتصوير بسبب المظاهر الجمالية به، مضيفًا أنه أصبح مقصدًا للعائلات والشباب للتصوير فيه، فالمظهر الجمالى والمقاعد الخشبية وأحواض الزهور مكان جيد ويحفز على التصوير وكل ذلك بلا رسوم، فى حين أن أقل مبلغ للتصوير فى القاهرة 400 جنيه.
جنسيات مختلفة
محمد سليمان أحد الأشقاء السودانيين الموجودين بالشارع قال: الشارع حاجة جميلة جدًا، ياريت شوارع مصر تبقى كدا، والمصريون يحبون بلدهم ويحافظون على جماله، فمصر من أجمل بلاد العالم، والشارع يتردد عليه جنسيات مختلفة وأصبح فرصة بناء صداقات مشتركة من جنسيات مختلفة عربية وأجنبية.
وقال حسين فضل من البحرين: أحرص كل ما أحضر لمصر على زيارة وسط البلد، لكن أول مرة أدخل شارع الألفى حاجة جميلة جدًا، والذى تشابه بشوارع باريس من حيث الشكل الجمالي والحضاري فهو «شانزليزيه وسط البلد»، يضاهى فى بهائه الشارع الفرنسى العالمى الذى يقصده السائحون على مدار عشرات السنين.
فى تلك البقعة، التى لا تبعد كثيرًا عن حديقة الأزبكية، شيد قصر المملوك الطامح والطامع فى حكم مصر محمد بك الألفى، وهو أحد أشهر المماليك الناجين من مذبحة القلعة والذين عاصروا الحُكم العثمانى فى مصر، وامتد القصر العملاق، الذى تحول إلى محل إقامة نابليون بونابرت فور احتلاله للقاهرة ومن بعده والى مصر العثمانى خسرو باشا، من شارع نجيب الريحانى إلى شارع الألفى طولًا، ويمتد إلى شارع عماد الدين.
وترجع تسمية الشارع بهذا الاسم نسبة إلى قصر الألفى، أكبر قصور بركة الأزبكية، والتى نُسبت إلى أمراء وبكوات المماليك، فقد كانت منطقة الأزبكية وضواحيها، أحد أهم الأماكن الجاذبة لرجال الدولة المهمين فى تلك الآونة، وضمت الكثير من أصحاب النفوذ والسلطة، فقد كان المرور بجوار حديقة وبركة الأزبكية أحد الأحلام التى راودت المصريين فى ذلك الوقت.
وبعد مرور ما يقرب من 80 عامًا على إنشاء القصر العظيم، تولى الخديوى إسماعيل الحُكم، وكان مدركًا لقيمة الحلم الذى تركه له جده محمد على باشا وأبوه إبراهيم باشا له، فمنذ لحظات حكمه الأولى لمصر، أراد أن يضعها فى مصاف الدول الأوروبية التى شهدت تقدمًا ملحوظًا فى مجال المعمار فى ذلك الوقت، وأولى اهتمامًا كبيرًا بالمعمار بالعاصمة، حيث استعان بكبار المعماريين الفرنسيين والإيطاليين لتحقيق ما أراده.
واستخدم المهندسون الأجانب مهاراتهم فى إنشاء المبانى والعمارات المُبهرة الموجودة على جانبى شارع محمد بك الألفى والشيخ عماد الدين، بعدما أزالوا تلال الأتربة التى أحاطت بالقاهرة لمئات السنوات، وأعادوا تخطيط الشوارع من جديد، وأسسوا الجُزر الوسطى التى عُرفت بالميادين، حيث أنشئ ميدان عرابى الذى يقع أخر شارع الألفى، وعابدين والتحرير وغيرها.
ومر أكثر من 148 عاما على إنشاء هذه المبانى الساحرة، وظلت حالتها الإنشائية كما هى لم يقدر جبروت السنوات عليها، فقد أصاب واجهاتها بعض التهالك بسبب عوامل الجو كالأمطار والرطوبة وما إلى ذلك، ولكنها ظلت محتفظة بزخارفها وجمالها الساحر، وجعلت من منطقة وسط البلد التى تضم 3 أحياء بقلب العاصمة وسط القاهرة وعابدين وغرب القاهرة، متحفًا معماريًا مفتوحًا لأهل المحروسةكلما أرادوا التنزه.>