الإثنين 13 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

العودة للاتفاق النووى بين واشنطن وطهران باتت قريبة وقنوات الاتصال بينهما لم تنقطع .. ماذا بعد مسرحية الضربات العسكرية بين إيران وإسرائيل؟

بانتهاء فصول مسرحية الضربات الإيرانية - الإسرائيلية، يطرح السؤال نفسه، عن ماذا بعد هذا العرض المسرحي؟



الإجابة عليه يمكن تقسيمها إلى شقين أساسيين، الأول بشأن مكاسب وخسائر كل طرف من الأطراف الثلاثة (أمريكا وإسرائيل وإيران)، أما الشق الثانى فيتمثل فى الرسائل التى حاول كل طرف إرسالها وما يمكن ترتيبه بناء على هذه الرسائل.

 

فيما يتعلق بالمكاسب والخسائر، فإن الجانب الإيرانى وإن كان كسب حفظ ماء الوجه داخليًا وأمام حلفائه وأذرعه بالمنطقة، إلا أنه كان حفظًا منقوصًا، بالإضافة إلى ما تكلفه الشعب الإيرانى من أموال صرفت على هذه الضربة الاستعراضية، فى المقابل فإن الجانب الإسرائيلى تكبد خسائر مالية فى ظروف اقتصادية صعبة تمثلت فى كم الصواريخ المضادة التى استخدمت لإسقاط صواريخ ومسيَّرات إيران، والمؤكد أن الولايات المتحدة بشكل أساسى والدول الغربية بشكل أو بآخر ستدفع قيمة هذه الخسائر أضعافًا مضاعفة.

 

فى المقابل تمكنت حكومة بنيامين نتنياهو من الخروج من زاوية الحلبة التى حوصرت فيها خلال الشهور الماضية جراء ما ترتكبه قوات الاحتلال من جرائم فى غزة؛ بل جاءت هذه الضربات الاستعراضية كطوق إنقاذ لنتنياهو نفسه.

نأتى لما هو أهم وهو الشق المتعلق بالرسائل التى حاول كل طرف إرسالها وما سيترتب عليها خلال الفترة المقبلة.

دخول إيران فى اشتباك عسكرى مباشر مع إسرائيل وليس عبر وكلائها كان يراد به توصيل رسالة بأن خطوط الصراع الفاصلة تلاشت وإن طهران بإمكانها الوصول إلى عمق الأراضى المحتلة، إلا أن هذه الرسالة لم تأت بالنتائج التى كانت تتوقعها طهران ما لم تكن أتت بنتائج عكسية، فمعظم الصواريخ والمسيَّرات فشلت فى دخول أجواء الأراضى المحتلة، وما دخل منها لم يتسبب فى أى خسائر مادية أو بشرية ليصبح حال الضربة أنها «غاية تمام إيران» ولن تجرؤ على تجاوز ذلك.

فى المقابل جاءت الضربة  الإسرائيلية رغم محدوديتها الشديدة، محملة برسالة بالغة الخطورة استوعبتها طهران، فالضربة الإسرائيلية تمت بصواريخ أطلقت من طائرات خارج المجال الجوى الإيرانى، واستهدفت بطاريات دفاع جوى إيرانى منوط بها الدفاع عن المفاعل النووى الإيرانى، كما لو كانت إسرائيل تريد أن تقول لإيران أنها قادرة على ضرب المفاعل النووى وتدمير المشروع الإيرانى إذا شاءت ذلك، وهو الأمر الذى يعزز احتمالية العودة إلى الاتفاق النووى بين إيران والغرب وبشكل أكثر تحديدًا بين طهران وواشنطن التى كشفت أحداث المسرحية الأخيرة عن أن القنوات السرية بين البلدين ما زالت تجرى فيها المياه، وربما لم تنقطع.

يعزز احتمالية العودة للاتفاق النووى بين إيران والولايات المتحدة ما يتم ترويجه حاليًا من خلال الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن أن أسابيع تفصل إيران عن الحصول على ما يكفى من اليورانيوم المخصب لتطوير قنبلة نووية، وهو ما جاء على لسان مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل جروسى الذى قال فى حديث لقناة «دويتشه فيله» الألمانية إن «تخصيب اليورانيوم إلى مستويات قريبة من مستوى تصنيع الأسلحة يشكل سببًا للقلق... لكن هذا لا يعنى أن إيران تمتلك أو ستمتلك سلاحًا نوويًا فى تلك الفترة الزمنية، لأن الرأس الحربى النووى الفعال يتطلب أشياء إضافية كثيرة بمعزل عن امتلاك المواد الانشطارية الكافية.

تصريحات مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية تشير إلى أننا أمام عرض مسرحى جديد قد يكون فصله الأخير مذيلًا بتوقيع يعيد إحياء الاتفاق النووى ومن ثم فإن مثل هذه التحذيرات ما هى إلا عملية تمهيد لإحياء الاتفاق، وجعل عودة أطراف الاتفاق إلى طاولة المفاوضات أمرًا منطقيًا.

وتواكبت تصريحات جروسى مع ما صرح به عضو لجنة الأمن القومى والسياسة الخارجية فى البرلمان الإيرانى، جواد كريمى قدوسى من أن «بلاده يفصلها أسبوع عن أول اختبار نووى إذا سمح المرشد الإيرانى على خامنئى بذلك»، فى إشارة إلى فتوى تحريم إنتاج واستخدام الأسلحة النووية التى صدرت قبل سنوات.

جاء تعليق كريمى قدوسى بعد ساعات من نفى المتحدث باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعانى أى نية لبلاده بشأن تغيير مسار برنامجها النووى بقوله: إن «الأسلحة النووية لا مكان لها فى العقيدة النووية الإيرانية، وإن إيران مرات عدة أكدت أن برنامجها النووى يخدم الأغراض السلمية فقط. ولا مكان للأسلحة النووية فى عقيدتنا النووية».

الحوار المسرحى لم ينته عند هذا الحد إذ سبق أن حذر أحمد حق طلب، القائد المسئول عن حماية المنشآت النووية فى «الحرس الثوري»، بعد تصاعد التوتر مع إسرائيل، بأن طهران ستعيد النظر فى عقيدتها وسياستها النووية إذا تعرّضت المنشآت النووية الإيرانية لهجوم إسرائيلى.

مما سبق فإن العرض المسرحى الجديد، يمكن تلخيصه فى أن طهران استوعبت «تمامها فى الرد العسكري»، وفهمت الرسالة التى أرسلت إليها بتدمير بطاريات الصواريخ المجاورة للمفاعل النووى، ومن خلال تصريحات مسئوليها بعثت هى الأخرى برسالة مفادها تعزيز فرص العودة للاتفاق النووى وهو ما أشار إليه مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل جروسى بشأن محادثات مباشرة بين الولايات المتحدة وإيران، بالتعليق على ما يتردد من حوار بين واشنطن بهذا الشأن مؤكدًا أن الوكالة الدولية «تحاول دائمًا تعزيز الحوار»، بل وطالب جروسى طهران بالتعاون بشكل أكبر، وقال إنه يعتزم زيارة طهران قريبًا، مبديًا تمسكه بالحوار مع الإيرانيين. وصرح «هناك أشياء كثيرة تحتاج إلى توضيح... سأكون هناك لمحاولة إعادة هذه الأمور إلى مسارها الصحيح».

إذن بدأت ملامح المرحلة المقبلة فى الوضوح، مما يوحى بأن العودة للاتفاق النووى باتت خيارًا مرجحًا. وأخيرًا، فإن ما يحدث على الساحة حاليًا لا يمكن تفسيره وفهم مغزاه بعيدًا عن الصورة الأشمل لصراع بين قوتين إقليميتين هما إيران وإسرائيل، وكذلك مصالح قوة عظمى هى الولايات المتحدة المستفيدة من بقاء إيران «فزاعة» لدول المنطقة مما يعنى تعزيز الدور الأمريكى فى المنطقة بل وحتى زيادة مبيعات الأسلحة لها، فطرفا المعادلة المتمثلان فى إيران من جانب وأمريكا وإسرائيل من جانب آخر كل منهما مستفيد من الآخر، فطهران تستغل الصراع من أجل تمديد وتوسيع نفوذها وهو الأمر نفسه الذى ينطبق على الولايات المتحدة وإسرائيل، ويظل الخاسر الأكبر من هذا الوضع دول المنطقة التى تأثرت بتوتر الأوضاع الإقليمية خلال الأشهر الماضية.