الإثنين 13 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

لعبة النفس الطويل .. الرؤية الأمريكية تفسر الحرب الإسرائيلية - الإيرانية «الصورية»

منذ بداية تبادل الضربات والرشقات الصاروخية بين إيران وإسرائيل، اندلعت حرب التصريحات والتحليلات لتبرير أسباب محدودية تلك الضربات وعدم تحقيقها أى خسائر للطرفين، إلا أن الرؤية الأمريكية للموقف سواء الرسمية أو على لسان المحللين السياسيين المعتاد تسريب بعض المواقف شبه الرسمية على لسانهم قد تفسر الكثير من الغموض والحيرة التى أحاطت بتلك الضربات وآثارها.



 

الكاتب الأمريكى ديڤيد إجناشيوس واحد من أهم هؤلاء المحللين وصرح بأن الولايات المتحدة وإسرائيل وإيران قامت بعمل جيد جدا بصمتها بعد الضربات الإسرائيلية قرب مدينة أصفهان الإيرانية، ربما لأن الصمت هو الرسالة الحقيقية التى تظهر رغبة جميع الأطراف فى منع التصعيد بالقول أو الفعل. وأشار إجناشيوس فى عموده بصحيفة واشنطن بوست إلى ما اعتبره قرار إسرائيل المدروس لإعادة تشكيل استراتيجيتها لردع إيران وما وصفهم بوكلائها. وتابع:إن الردع الإسرائيلى يكون عادة بالاستخدام المكثف للقوة الهجومية، ويتمثل فى ضربة قوية لفرض الامتثال عن طريق الإكراه. ولكنه هذه المرة كان مختلفا، حيث استخدمت نظام القبة الحديدية الدفاعى ومساعدة الحلفاء لاستيعاب الضربة الإيرانية الكبيرة، ثم خضعت تل أبيب لضغط الرئيس الأمريكى جو بايدن ولم ترد على الفور، رغم أن بعض الإسرائيليين أرادوا الرد بسرعة وبقوة كبيرة.

 

ثم جاء الرد الإسرائيلى، لكنه كان صامتا كما يقول الكاتب إذ تشير التقارير الإيرانية والإسرائيلية إلى أن إسرائيل هاجمت موقعا بالقرب من بعض أكبر المنشآت النووية الإيرانية، ولم تتضرر تلك المنشآت وفقا للوكالة الدولية للطاقة الذرية، ولكن إسرائيل أرسلت رسالة مفادها أنها قادرة على اختراق الدفاعات الجوية الإيرانية وضرب أهداف استراتيجية عندما تختار ذلك. وكانت إسرائيل تريد أن تبقى لها الكلمة الأخيرة فى هذا التبادل العسكرى، ويبدو أنها نجحت فى ذلك، إذ قال وزير الخارجية الروسى سيرجى لاڤروڤ، بعد محادثات مع مسئولين فى طهران، إن إيران لا تريد التصعيد وسخرت التصريحات العامة الإيرانية من هذا الإجراء المحدود، وبهذا المعنى، حافظت إسرائيل على ما يسميه الاستراتيجيون هيمنة التصعيد. وتساءل الكاتب عن تصرفات إسرائيل، وما الذى يفسر ضبط النفس الذى تمارسه، فى وضع كان فيه الصقور فى الحكومة الإسرائيلية يصرخون مطالبين بشن هجوم شامل. وشرح أن إسرائيل تتصرف وكأنها زعيمة تحالف إقليمى ضد إيران، وبالتالى فإن ردها المدروس، يظهر أنها تزن مصالح حلفائها الذين قدموا مساعدة هادئة فى إفشال الهجوم الإيرانى الكبير، مما يعنى أنها تلعب لعبة النفس الطويل. ورأى الكاتب أن هذه نقلة نوعية بالنسبة لإسرائيل، إذ أدركت، بدلا من النظر إلى نفسها على أنها الدولة اليهودية المحاصرة التى تقاتل بمفردها من أجل البقاء ضد كتيبة من الأعداء العرب والمسلمين، أن لها حلفاء وعلى رأسهم الولايات المتحدة ولكن معها الدول العربية التى تعارض إيران ووكلاءها.

وانتهى إجناشيوس إلى أن هذا هو الشكل الجديد للشرق الأوسط، وأن إسرائيل اكتسبت خلال الأسبوع الماضى رصيدا ثمينا، مشيرا إلى أن هذه الصداقة الناضجة بين إسرائيل وخصومها السابقين فى المنطقة، يجب أن تظل فى الوقت الحالى غير معلن عنها. وبعد استيعاب الهجوم الصاروخى الإيرانى ببراعة كبيرة كما يقول الكاتب ينظر إلى إسرائيل الآن على أنها ضحية وأستاذ فى الدفاع عالى التقنية، وهذا مكسب مرحب به، بعد 6 أشهر من القتال العنيف فى غزة، شوهت بشدة سمعة إسرائيل الدولية. وبعد سلسلة الصواريخ الإيرانية والرد المحدود من تل أبيب، يبدو أن إسرائيل تحظى الآن بدعم مجموعة الدول الصناعية السبع المتقدمة.

يوضح إجناشيوس أنه بغض النظر عما يقوله المتشددون الإسرائيليون، فإننا نرى شيئا جديدا بعد أسلحة أبريل؛ موضحا أن الأسوأ لم يأتى بعد، إذا قررت إيران التسلل نحو الحصول على أسلحة نووية، أو شن حزب الله هجمات من الشمال، أو اختارت إسرائيل شن حرب وقائية مدمرة على حزب الله فى لبنان. وأكد الكاتب أن التوصل إلى نهاية سريعة للحرب فى غزة أمر ضرورى الآن، لأنه من المصلحة الواضحة لإسرائيل والفلسطينيين والشرق الأوسط بأكمله إنهاء هذا الصراع، واستئناف مسار التطبيع مع دول عربية.

 

ومن ناحية أخرى؛ تركزت نقاشات القنوات الإعلامية الإسرائيلية على الجدل الدائر حول الضربات التى تعرضت لها إيران واحتمالات أن ترد عليها. وتساءلت عقيد احتياط «تاليا لانكرى» نائبة رئيس مجلس الأمن القومى الإسرائيلى سابقا عن الحالة الضبابية التى تعيشها إسرائيل بقولها للقناة الـ12: نحن لا نعلم إلى أين سيجرنا هذا الوضع، ولا نعلم إلى أين ستذهب الأمور، هل سيكون هناك رد من إيران؟ ومن أين سيأتى؟. ويقول مراسل الشئون العسكرية فى القناة الـ13 أور هيلر إن الهجوم هو رسالة للإيرانيين، ففى ليلة السبت التى شنت فيها إيران هجومها أطلقت الصواريخ والمسيّرات من هناك، من القاعدة نفسها قرب أصفهان.

 

وأضاف أن وزير الدفاع الإسرائيلى يوآف جالانت تحدث مع نظيره الأمريكى معربا عن أمله أن تكون تلميحات الإيرانيين برغبتهم فى إنهاء هذا الحدث حقيقية، وتمنح إسرائيل الفرصة للعودة إلى التركيز على القضية الأساسية، وهى قطاع غزة وحركة حماس والمخطوفون والمخطوفات منا. كما أشار مراسل الشؤون العسكرية فى القناة الـ13 إلى وجود حالة صمت فى الجيش والأجهزة الأمنية بإسرائيل تجاه التقارير الصحفية فى الولايات المتحدة حول الهجوم الذى حدث على إيران.

ويعتقد مراسل الشئون العسكرية فى القناة الـ14 «هليل روزين بيتون» أن مستوى التوتر يتراجع فى إيران وفى إسرائيل أيضا، مشيرا إلى أن المهمة الأساسية لإسرائيل هى فى رفح جنوبى قطاع غزة، وأيضا يجب معالجة الوضع مع لبنان، كما قال. وأشارت القناة الـ13 إلى ما كتبه وزير الأمن القومى الإسرائيلى إيتمار بن غفير على منصة إكس، حيث كتب كلمة مسخرة!، وذلك فى أعقاب تقارير تحدثت عن ضربة إسرائيلية محدودة داخل إيران. وكانت إسرائيل قد توعدت بالرد بعد أن شنت ضدها إيران هجوما بمئات الصواريخ والمسيرات ردا على استهداف قنصليتها بدمشق فى الأول من أبريل الجارى بقصف إسرائيلى، مما أدى إلى مقتل ضباط إيرانيين كبار.

والغريب أنه بعد أكثر من عشرة أيام كشفت صحيفة إسرائيلية عن وقوع إصابات فى مفاعل ديمونة النووى وقاعدة رامون العسكرية، بعد الهجوم الإيرانى فى محاولة من تل أبيب للحصول على دعم دولى فى أى ضربة محتملة لإيران على ما يبدو. ونقلت صحيفة معاريف عن أحد الباحثين أن إسرائيل تصدت  لـ84 % من المسيرات والصواريخ التى أطلقتها إيران باتجاهها ألحقت أضرارا بمفاعل ديمونة الذى يعتبر أكثر المنشآت العسكرية الإسرائيلية حساسية. ووفقا لصحيفة فقد أكد أحد الباحثين أن صور الأقمار الصناعية تشير إلى إصابة أحد مبانى مفاعل ديمونة النووى بصحراء النقب إلى جانب إصابتين فى محيطه، فضلا عن 5 إصابات على الأقل فى قاعدة رامون العسكرية. ولم تفصح إسرائيل عن أى من هذه الإصابات لهذه المنشآت العسكرية المهمة وقت وقوع الهجوم؛ مما يعنى أن الكشف قد يكون محاولة لتضخيم الحدث وخلق مبرر للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها حتى يقبلوا توجيه ضربة إلى طهران.

ولكن ما يثير الشكوك حول الإعلان الإسرائيلى هو أن تل أبيب دأبت على إخفاء الحجم الحقيقى لخسائرها خلال الحرب حفاظا منها على الحالة المعنوية للجنود وتماسك الجبهة الداخلية بل تفرض رقابة عسكرية صارمة على كل ما يتعلق بأخبار الحرب قبل نشرها. ووفقا للخبير العسكرى فإن الجانب الإيرانى هو الأقدر على تأكيد أو نفى هذا الإعلان لأنه هو من شن الهجوم ويعرف طبيعة ومدى الأسلحة التى أستخدمت فيه بشكل دقيق. وإجمالا، فإن الجيش الإسرائيلى يصدر بياناته بما يخدم مصلحة إسرائيل وهو ما يعنى أن نسبة  الـ84 % التى تحدثت عنها معاريف قد تنخفض لاحقا إلى 50 %، لأن جيش إسرائيل وإعلامها يجيدون عمل المسرحيات.

ومن ناحية أخرى؛ فإن الانتقادات الداخلية المتزايدة لأداء الجيش خلال الحرب دفع القادة السياسيين والعسكريين إلى محاولة إثبات أن الجيش على أتم استعداد للرد على القصف الإيرانى، مشيرا إلى حديث وزيرى المالية والأمن القومى الإسرائيليين عن الحاجة لجيش كبير ومتوحش. ومن المرجح أن تشهد الفترة المقبلة سيناريوهات متصاعدة من الجانب الإسرائيلى، لأن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو فشل تماما خلال الحرب، كما أنه لم يتمكن من ضرب إيران فورا خصوصا أنه صدع العالم بتهديد ضرب مفاعلات طهران النووية. وأخيرا؛ إن تراجع نتنياهو عن ضرب منشآت إيران النووية رغم اتخاذ القرار مرتين يؤكد أنه أدرك تماما بأن إسرائيل لن تكون قادرة على القيام بهذه المهمة بدون وجود الولايات المتحدة، وهو ما يفسر الكشف عن خسائر لم يتم الإعلان عنها بسبب الهجوم الإيرانى.