الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

«الجنائية الدولية» تدرس إصدار مذكرة اعتقال ضده فى مايو القادم.. هل العالم جاد فى محاكمة نتنياهو هذه المرة؟!

تقارير وتقديرات سياسية وحقوقية كثيرة صدرت خلال الأيام الماضية تقول إن الحكومة الإسرائيلية تلقت رسائل حول إمكانية صدور أوامر اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية فى لاهاى ضد مسئولين إسرائيليين كبار من ضمنهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. ويعكس الصمت الإسرائيلى الرسمى تجاه هذه التقارير الهواجس التى تعيشها تل أبيب بظل استمرار الحرب على غزة، مع ازدياد التقديرات بإمكانية تقديمها للمحاكمة الدولية بتهم ارتكاب جرائم حرب.



 

وسط الرسائل التحذيرية الدولية، عقد ديوان نتنياهو جلسة سرية تم خلالها استعراض سيناريوهات مثيرة للقلق ومخاوف جدية مرتبطة بصدور مذكرات اعتقال دولية ضد قيادات أمنية وعسكرية وسياسية إسرائيلية، وذلك حسب تقرير للقناة 12 الإسرائيلية؛ وشارك بالمشاورات السرية كل من وزير الشئون الاستراتيجية رون ديرمر، ووزير القضاء ياريڤ ليڤين، ووزير الخارجية يسرائيل كاتس، بالإضافة لمختصين ومحامين يتعاملون مع هذه القضية فى وزارة الخارجية والأمن. وهيمنت على النقاشات مسألة الأزمة الإنسانية فى قطاع غزة، وتصريحات عدة دول بأن إسرائيل تنتهك القانون الدولى بالإضافة إلى معاملة السكان المدنيين فى قطاع غزة بطريقة تنتهك اتفاقية جنيڤ الرابعة. وقد طلب نتنياهو خلال لقاءاته بوزيرى خارجية بريطانيا وألمانيا مساعدتهم فى القضية أمام المحكمة الدولية. 

وأوضح مراسل الشئون السياسية فى القناة 12 الإسرائيلية يارون إبراهام، أن المشاورات السرية والطارئة التى عقدت بعيدا عن الإعلام فى مكتب نتنياهو بمشاركة كبار قادة الأجهزة الأمنية والعسكرية والسياسية والقضائية بإسرائيل، تؤكد جدية الرسائل التحذيرية والخوف من إصدار أوامر اعتقال دولية ضد قادة إسرائيليين، فى ظل استمرار الحرب على غزة. ووفقا للتقديرات، يقول إبراهام، إن فرصة إصدار مذكرات الاعتقال زادت بشكل كبير، وربما تتم محاولة إصدارها فى نهاية مايو القادم. وعليه ووفقا للمراسل، تقرر فى نهاية جلسة الاستماع السرية التحرك قبالة المحكمة فى لاهاى والتوجه لجهات دبلوماسية دولية ذات نفوذ وتأثير من أجل منع صدور أوامر الاعتقال، بدون الكشف عن هوية هذه الجهات، التى يرجح أن تكون أوروبية وأمريكية. لكن المراسل كشف النقاب عن أن نتنياهو، وفى لقاءاته أيضا مع وزيرى خارجية بريطانيا وألمانيا بالقدس، طلب مساعدتهم فى القضية أمام المحكمة الدولية. وقال إبراهام إن هذا تعقيد قانونى ليس بسيطا، وهو ما تدركه إسرائيل من الماضى، لكنه يبدو الآن أكثر قوة وتعقيدا بعد الحرب فى غزة المتواصلة منذ السابع من أكتوبر الماضى. ولم تستبعد صحيفة معاريف فى تعليقها على التحركات ضد إسرائيل بالمحكمة الدولية أن يتم تقديم نتنياهو إلى المحاكمة الدولية فى حال لم يتم الإمتثال للأوامر الصادرة عن المحكمة، والتى قد تتمثل بقرارات مستقبلية تطالب إسرائيل بوقف فورى لإطلاق النار فى غزة.

وقدرت الصحيفة إن الرسائل التحذيرية جدية، مستذكرة انضمام المزيد من الدول إلى الدعوى التى قدمتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل واتهامها بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ومنع دخول المساعدات والإغاثة، وعدم تجنبها استهداف المدنيين، وهو ما يشكل انتهاكا لاتفاقية جنيڤ عام 1949، حول حماية الأشخاص المدنيين. وبشأن الإجراءات الرسمية التى تقوم بها إسرائيل لمنع صدور أوامر الاعتقال، ولفتت الصحيفة إلى تجند بعض الدول الأوروبية إلى جانب إسرائيل فى المحكمة الجنائية الدولية، مستشهدة بإعلان الحكومة الألمانية أمام المحكمة أن أمن إسرائيل هو جوهر أمنها القومى وذلك ردا على الدعوى القضائية التى رفعتها نيكاراجوا ضدها واتهامها بالتواطؤ مع الإبادة الجماعية بغزة، بسبب المساعدة الأمنية لإسرائيل.

وخلص تقرير صادر عن مركز أبحاث الأمن القومى التابع لجامعة تل أبيب بعنوان قرار محكمة لاهاى.. إنجاز عملى وإشارة تحذير، إلى أن المحكمة الدولية لم تقبل طلب إسرائيل برفض الدعوى التى رفعتها جنوب إفريقيا وأمرت بإصدار عدد من الأوامر المؤقتة، والتى ستكون سارية المفعول حتى صدور الحكم النهائى فى هذه الدعوى المتوقع أن تستمر عدة سنوات، وهو ما يعتبر إشارة تحذير لإسرائيل. وأشار التقرير إلى أن اتفاقية حظر الإبادة الجماعية التى دخلت حيز التنفيذ عام 1951، تعرف هذه الإبادة بأنها «أفعال معينة ترتكب ضد أفراد مجموعة قومية أو دينية أو إثنية أو عنصرية، بقصد تدمير المجموعة كليا أو جزئيا، وهى الشبهات المنسوبة لإسرائيل فى كتاب الدعوى التى قدمتها جنوب إفريقيا. وأوضح التقرير أن القلق الرئيسى لإسرائيل يتعلق بأن تصدر المحكمة قرارا بوقف إطلاق النار فى غزة من جانب واحد، دون أن تكون قادرة على إجبار حماس على القيام بذلك أيضا. وفى ضوء ذلك، خلص التقرير إلى أنه ستكون إسرائيل مطالبة بالتصرف بطريقة مسؤولة وحكيمة فيما يتعلق بالحملة القانونية التى تشن ضدها بشكل عام، خاصة فيما يتعلق بإجراءات المحكمة الدولية.

وخلافا للصمت الحكومى الإسرائيلى الرسمى، أظهر نشطاء ومعارضون لحكومة نتنياهو ولخطة التعديلات فى الجهاز القضائى الإسرائيلى، ومنهم قائمون على الاحتجاجات المطالبة بصفقة تبادل مع المقاومة الفلسطينية، تفاعلا مع الرسائل التحذيرية من المحكمة الدولية، واعتبروها رسالة ردع وتحذير للقادة الإسرائيليين. وغردت الناشطة الإسرائيلية دليلة مور على حسابها بمنصة إكس قائلة لسنوات عديدة، يدعى اليسار والمحكمة العليا أنه فقط بسبب المحكمة العليا لم يتم وضع كبار المسؤولين الإسرائيليين فى قفص الاتهام فى محكمة لاهاى، لكن اليوم يحدث ذلك، وهناك احتمال كبير لإصدار مذكرة اعتقال ضد نتنياهو ومسئولين كبار آخرين من المحكمة الجنائية، لقد أكلنا الطعم واتهمنا فى لاهاى. وكتب عامى درور أحد النشطاء الذين يقودون الاحتجاجات ضد الحكومة الإسرائيلية العالم لا يتوقف للحظة واحدة، ويواصل الإجراءات ضد حكومة نتنياهو، وأضاف فى تغريدة له نتنياهو خطير على إسرائيل، نتنياهو خطير على الشرق الأوسط، نتنياهو خطير على السلام العالمى، وقته قصير! كما كتب الناشط الحقوقى والمحامى أورى برايتمان حتى الآن، كان نتنياهو يخشى السجن بسبب أفعاله الجنائية بإسرائيل، وهو الآن بسبب الحرب على غزة يخاف أكثر من المحكمة الجنائية الدولية فى لاهاى.

وعلى جانب آخر؛ قالت صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية إن مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عرض الوزير بحكومة الحرب بينى جانتس لملاحقة واعتقال محتملين فى بريطانيا بعد أن رفض منحه صفة الوفد الرسمى خلال زيارة إلى العاصمة لندن. وكان نتنياهو، الذى لم يكن راضيا عن زيارة جانتس إلى بريطانيا ومن قبلها إلى الولايات المتحدة الأمريكية، أوعز لسفارتى إسرائيل فى واشنطن ولندن بعدم التعاون مع الزيارة أو المشاركة فيها وأعتبرها غير رسمية. وأوضحت الصحيفة أن إسرائيل لم تمنح وفد جانتس صفة الوفد الرسمى، مما كان يعنى تعرض جانتس لتهم جنائية محتملة والاعتقال فى الخارج.

وقالت إن بريطانيا خشيت من وضع الزيارة على خلفية الاحتجاجات المتزايدة المؤيدة للفلسطينيين فى أوروبا، لذلك سعت إلى منح وفد جانتس وضعا رسميا، مما يعنى حصول جانتس على حصانة خاصة من الدعاوى القضائية ومذكرات الاعتقال المرتبطة بالحرب المستمرة بين إسرائيل وحماس.وأضافت الصحيفة أن البريطانيين أعتقدوا أنه بعد الحرب، ستريد إسرائيل فى توفير الأمن للوزير الكبير أثناء زيارته للخارج، لكنهم لم يكونوا على علم بالخلافات الداخلية بين نتنياهو وجانتس. وتابعت أن بريطانيا توجهت إلى وزارة الخارجية الإسرائيلية لإعداد كتاب عن زيارة الوفد الرسمى، وفى البداية، كان هناك تعاون بين وزارتى الخارجية البريطانية والإسرائيلية، ولكن بعد ساعات قليلة، قطعت الوزارة الاتصال بعد أن تلقت التفاصيل من مكتب جانتس. وأضافت الصحيفة الإسرائيلية أن البريطانيين فوجئوا ونظرا لعدم رغبتهم فى المخاطرة، توجهوا إلى السفارة البريطانية فى إسرائيل لاستكمال الاستعدادات البيروقراطية. وكان جانتس زار بريطانيا والتقى رئيس وزراء البريطانى ريشى سوناك ووزير الخارجية ديڤيد كاميرون ومستشار الأمن القومى تيم بارو.

ويبادر مؤيدون للقضية الفلسطينية حول العالم لتقديم دعاوى إلى محاكم محلية لاعتقال مسئولين إسرائيليين بتهمة المشاركة فى جرائم حرب، لكن لم يتضح إذا ما كان تم بالفعل تقديم دعوى إلى حكومة بريطانية ضد جانتس بصفته عضوًا فى حكومة الحرب. ولم تعلق وزارة الخارجية الإسرائيلية على الفور على هذا التقرير. يأتى كل ذلك فى ظل حرب مدمرة تشنها إسرائيل على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر الماضى خلفت عشرات آلاف الضحايا، معظمهم أطفال ونساء، وفقا لبيانات فلسطينية وأممية، الأمر الذى أدى إلى مثول إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بتهم ارتكاب إبادة جماعية. وتدرس المحكمة الجنائية الدولية إصدار مذكرات اعتقال دولية فى المستقبل القريب ضد رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو ومسئولين كبار آخرين على خلفية ارتكاب جرائم حرب ضد الفلسطينيين فى قطاع غزة، وفقا لما ذكرته أيضا القناة الإسرائيلية N12، لكن صحيفة جيروزاليم بوست قللت من احتمال حدوث ذلك. وتتمتع 125 دولة بعضوية المحكمة الجنائية الدولية، بما فيها بالأساس جميع الدول الأوروبية، وهى ملزمة جميعا بموجب قانون المعاهدات باحترام مذكرات الاعتقال الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية، برغم أن هناك أمثلة لدول تحتج على هذه المذكرات، وترفض العمل بموجبها. وأعتبرت صحيفة جيروزاليم بوست تقرير قناة N12 محيرا، مرجعة ذلك إلى أن المحكمة الجنائية الدولية لم تبت فى جميع المسائل القضائية ذات الصلة، التى من المفترض أن تبت فيها قبل الوصول إلى مرحلة إصدار مذكرات اعتقال. وأوضحت الصحيفة أن المحكمة الجنائية الدولية يجب أن تعالج أولا مسألة التكامل القضائى، وهى المسألة القانونية الخاصة بما إذا كانت إسرائيل تجرى تحقيقا داخليا بشكل مناسب بما يكفى لحجب المحكمة الجنائية الدولية أحقية التعامل مع أى شكاوى تتعلق بجرائم الحرب على أساس الاختصاص القضائى التكاملى أو الإضافى.

وأضافت أن هذه القضية أثارت جدلا شائكا نظرا لأن الجيش الإسرائيلى أجرى تحقيقات أولية قوية ولديه آلية تحقيقات جنائية للتحقيق فى جرائم الحرب. وأشارت إلى أن الجيش الإسرائيلى أجرى 32 تحقيقا جنائيا ونحو 500 تحقيق أولى حول الصراع فى غزة لعام 2014، وتوقعت أن يجرى آلاف التحقيقات بسبب الحرب التى يشهدها القطاع حاليا منذ 5 أشهر تقريبا، والتى تعد الأطول زمنا والأوسع نطاقا. 

ورغم أن المحكمة الجنائية الدولية قد تقرر أن هذه التحقيقات لا تقود إلى إدانات أو عقوبات بالسجن على النحو الكافى إلا أنه يتوقع دائما أن تكون هذه عملية تقوم بها إسرائيل وحلفاؤها على مدى أشهر أو أكثر، على غرار ما حدث من قبل فيما يتعلق بقضية ما إذا كان من الممكن أن تعترف المحكمة الجنائية الدولية بفلسطين كدولة لتمكينها من الحصول على الولاية القضائية الأساسية من دولة عضو فى المحكمة الجنائية الدولية فى الفترة من 2019 إلى 2021.

وذكر تقرير القناة N12 أن إحدى الطرق لتجنب المحكمة الجنائية الدولية تمثل مسألة التكامل الإجرائية المتعلقة بالولاية القضائية فى أن تلاحق إسرائيل من البداية فقط على أساس نظرية جرائم الحرب المتعلقة بقضايا المساعدات الإنسانية. لكن جيروزاليم بوست أعتبرت أن الأمر بعيد المنال، مرجعة ذلك إلى أنه بخلاف الأيام القليلة الأولى من الحرب، سهل الجيش الإسرائيلى دخول قدر من المساعدات الإنسانية، ومع تحسن وضع الجيش الإسرائيلى من الناحية الأمنية زادت هذه المساعدات. وأعلنت الحكومة الإسرائيلية أنها ستبلغ المحكمة الجنائية الدولية بأنها لن تتعاون مع تحقيقها حول جرائم حرب إسرائيلية ضد الفلسطينيين. وكان المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان قد أتهم إسرائيل فى خريف عام 2023، بإبطاء وتيرة تدفق المساعدات الإنسانية، مؤكدا أن هذا يمكن اعتباره جريمة حرب. ولم يكن واضحا فى ذلك الوقت، كيف سيتم التأطير لهذه القضية، نظرا لأن إسرائيل كانت تسمح بوصول المساعدات، وكانت تؤكد أن الأوضاع الأمنية هى المسؤولة عن إبطاء عمليات المساعدة. ورغم ذلك، يمكن أن تقول محكمة العدل الدولية إن الزيادة الأخيرة التى سمحت بها إسرائيل من 100-200 شاحنة مساعدات على أساس يومى إلى أكثر من 500 شاحنة مساعدات على أساس يومى، تظهر أنه إذا كانت هناك إرادة سياسية فى الأشهر السابقة لكان من الممكن تدفق المزيد من المساعدات برغم التحديات الأمنية. ومع ذلك، فإن أى قضية بحاجة إلى إثبات أن الناس يموتون جوعا بالفعل، وليسوا فقط يأكلون كميات أقل أو يواجهون مخاطر التعرض لمشكلات أمن غذائى مستقبلية؛ وفقا للصحيفة. 

أما السيناريو البديل؛ قد يتمثل وفقا لجيروزاليم بوست فى أن يشير المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية إلى أن الخطاب المرسل إلى إسرائيل فى عام 2021، لتقديم جميع تحديثات الأدلة والخطابات المحتملة الأخرى منذ ذلك الحين، يمكن استخدامها جميعا ضد إسرائيل، وذلك بحجة أنها لم تقدم دفاعا أو دليلا مضادا على قيامها بالفعل بإجراء تحقيقات، خاصة بعد ما قال الجيش الإسرائيلى إنه لا يزال أمامه أشهر أو أكثر قبل إصدار نتائج التحقيقات فى بعض القضايا. وطلبت إسرائيل من الدول الحليفة لها الضغط على المحكمة الجنائية الدولية لحثها على عدم التحقيق فى جرائم الحرب التى ارتكبتها إسرائيل فى الأراضى الفلسطينية.

 

ومع ذلك، قد يكون هناك سيناريو آخر، وهو أن يكون المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية قد أجرى عملية إثبات سرية أمام الدائرة التمهيدية للمحكمة الجنائية الدولية للحصول على إذن بإصدار مذكرات اعتقال، وفقا لجيروزاليم بوست؛ وأضافت الصحيفة أنه من الممكن أيضا أن يكون تقرير N12 خاطئًا تماما، أو يصور بشكل خاطئ بعض التطورات البسيطة فى إجراءات المحكمة الجنائية الدولية أو يصف على نحو خاطئ الإطار الزمنى لهذه التطورات.