الجمعة 3 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

ظلت أكثر من خمسة وعشرين عاما تتابع «الثورة الجزائرية» فايزة سعد.. أول «محررة حرب» عرفتها الصحافة المصرية

عاشت حياة مليئة بالعطاء، وقدمت الكثير من التضحيات، لم تجذبها المناصب الإدارية، ولا المناصب الرفيعة، هى من أهم رائدات صحفيات روزاليوسف المهتمة بالقضايا العربية، بل هى الأهم ليس فى مصر ولكن فى العالم العربى، الكاتبة الصحفية الكبيرة « فايزة سعد» التى فضلت القلم والورق ورائحة الحبر، وبرعت فى الكتابة المعلوماتية والاستقصائية.



كانت فايزة سعد مثالا يحتذى به فى العمل الصحفى الدءوب والمتميز، والذى حققت من خلاله أكثر من سبق صحفى لافت للأنظار، وبصفة خاصة خلال تغطيتها فى الستينيات لقضية تحرير الجزائر، وهو الملف الذى ظلت تهتم به طوال عمرها، وصارت لها علاقات وطيدة مع جميع رموز الثورة والعمل السياسى الجزائرى فيما بعد.

كانت فايزة سعد «صديقة للثورة الجزائرية» وكانت تتردد بكثرة على الجزائر ورافقت سنوات استقلالها الأولى، كانت ترفض المسؤلية وتقول دائما إذا أردت أن تكون صحفيا ناجحا تجنب المسئولية لأن عوائق التيسير ستمنعك من ممارسة مهنتك بكل حرية.

لم يتح لصحفى أن يتعايش مع ثورة الجزائر كما أتيح لفايزة سعد.. التى ظلت أكثر من خمسة وعشرين عاما تتابع بل تتنفس «الثورة الجزائرية».. صعدت على قدميها جبال «الأوراس» الوعرة.. التقت بالثوار فى الجبل.. سجلت ما رواه شهود عيان الثورة.. والذين فجروها.. وعاشوا أحداثها.. انتقلت «كالمكوك».. من بديات الثورة فى الشرق الجزائرى.. حتى قوافل السلاح.. فى وهران وتلمسان بالغرب، ، لم تترك مكانا وقعت فيه معركة بين الثوار والجيش الفرنسى..إلا وزارته.. لم تترك رجلا فى طريقها وكان له دور فى الثورة.. إلا وسألته عن هذا الدور.. .ونشرت على صفحات روزاليوسف ملحمة الثورة الجزائرية 1954 - 1984، ، مجرد عينات حصلت عليها من تفاصيل لا يعرفها أحد عن الثورة الجزائرية.

ونتذكر عندما التقت بأحد الذين فجروا الثورة الجزائرية رابح البيطاط وأخذت منه تصريحات خاصة لـ«روزاليوسف»قائلا: قاتلنا مع الفرنسيين ضد النازية فأطلقوا علينا الرصاص. وأكد أن رصاصة واحدة أشعلت الثورة!!!.. . والثوار يختلفون على ساعة الصفر.

مازال رابح بيطاط أو «سى صالح» - كما كانوا يطلقون عليه أثناء الكفاح المسلح يتذكر- صار العنف وسيلة من وسائل حل الخلاف.. وأخذ المناضلون يضربون بعضهم البعض هنا فى العاصمة الجزائر.. وعندما ضربوا بعثنا بدورنا بجماعة هجمت على مقر الحزب.. وضربت عددا من الأشخاص وهذا لكى نبرهن على إننا لسنا عاجزين عن الرد بالمثل.. وهكذا تدهورت الأمور داخل الحزب.. وأنشئت اللجنة الثورية للثورة والعمل فى مارس 1954.

وكتبت فايزة سعد وقتها مقالا بعنوان «مات بوخروبه.. هوارى بومدين».. مات محمد بوخروبه وشهرته «بومدين» ومنصبه رئيسا لمجلس قيادة الثورة الجزائرية.. مات عن 54 سنة.. وثلاثة شهور مع صراع رهيب مع المرض.. اشترك فى مقاومته أطباء من كل أيديولوجيات العالم.. وأنهى الموت مرحلة حاسمة من التاريخ الجزائرى المعاصر.

مواصلة العمل

على الرغم من ظروفها الصحية خلال السنوات الأخيرة، إلا إنها ظلت تحتفظ بكامل لياقتها المهنية، وعلاقاتها الإنسانية المتميزة التى تربطها بزملائها فى مختلف الأجيال فى «روزاليوسف»

وقد ظلت فايزة سعد تواصل العمل حتى فترة قصيرة مضت، بعد أن أنهكها المرض، وصار عليها أن تستسلم  لرعاية كاملة من الأطباء إلى أن توفيت فى 24 يوليو 2003.

 المناضلة الصحافية

 كتب عنها الكاتب والفنان مودى الحكيم فى سلسلة مقالات عن «نساء روزاليوسف» فقال المناضلة الصحفية فايزة سعد برزت بسرعة، لم تجذبها المناصب الإدارية، بل سعت لنوع جديد فى الكتابة الصحفية، وهى «الكتابة المعلوماتية» والتحرى فكانت غواصة على معميات المواقف، ، دءوبة على كشف المستور وما استغلق حول العديد من القضايا السياسية.

وقد أسعفها فى ذلك أسلوبها السردى البسيط، الرصين ، و تفكيرها المنطقى المنظم وقد استطاعت فايزة سعد بجهدها ودأبها المتواصل، وتتبعها الدقيق، أن تسطر وتحبر تحقيقات آسرة، ملفتة، يدعمها الأصيل من الحقائق الدافعة، والحِجّة الدامغة، والدليل القاطع، تسند الرأى إلى صاحبه، وترد الشاهد إلى مصدره، والقول إلى قائله… فأصبحت من أهم كتّاب التحقيقات المعلوماتية ليس فى «روز اليوسف» وحسب بل فى الصحافة المصرية كلها.

وقد أختيرت فايزة سعد بطلب من وزارة الإعلام والإرشاد القومى، وزارة الإعلام فيما بعد لتغطية حرب التحرير فى الجزائر، فأصبحت فايزة سعد أول «محررة حرب» عرفتها الصحافة المصرية، فعملت على مقربة من السلطة، وبحمايتها، ورعايتها، تنقل فى تقارير إضافية ما يجرى ليس فى ميادين القتال حيث الكلام للبنادق والمدافع والرصاص وحسب، وإنما خلف الأبواب الموصدة حيث تحاك خيوط الدبلوماسية والصفقات السياسية

وفى حركة مكوكية أمضت فايزة سعد وقتا بين الجزائر والمحروسة ناقلة بحرفة صحفية مآسى سنوات الدم فى الجزائر.

غياب الرئيس هوارى بومدين

 فى خريف عام 1978 بدأت الصحافة العالمية تبحث سر غياب الرئيس هوارى بومدين، وعدم مشاركته فى العديد من المناسبات، وتطايرت الإفتراضات من كل حدب وصوب، وانتشرت التكهنات، وأعمدة الصحف بالتأويلات، وبدأت وكالات الأنباء تنسب الكلام إلى «مصادر مطّلعة»، وبعضه الآخر إلى تسريبات مُقربين من الرئيس الجزائرى … وسرت شائعات تؤكد إصابة الرجل برصاصة بعد محاولة إنقلاب فاشلة، أو توعكه بعلّة خبيثة، وتفننوا فى اختيار كل الأمراض الخطيرة التى قد تكون أصابت الرئيس بومدين مثل مرض شديد داخل البلعوم كما أفادت الصحف المصرية، ومنهم من حدّد نوع المرض فى المسالك البولية، وسرطان، وفشل كلوى، وهناك من تكهن عن وجوده فى روسيا لعقد صفقة سلاح.

فى 25 نوفمبر (تشرين الثاني) 1978، حسم قصر الرئاسة الأمر، وشرح منه أن الرئيس بومدين يعانى من مرض وهو «والدنستروم»، وأنه قد لا يتعافى منه، إذ أنه فى مرحلة متقدمة، وما عاد العلاج ينفع للحد منه، وتوفى بومدين متأثرا بذلك المرض.

وما أن انتهت الجنازة الرسمية للرئيس حتى عاد التساؤل: هل أُغتيل بومدين أم مات موتًا طبيعيًا؟

بومدين مات مسموما بسم «ثاليوم» الفتاك

لم يهدأ القلم بين أصابع فايزة سعد، فراحت تكشف المستور، فكتبت فى مجلة روزاليوسف فى 27 من ديسمبر (كانون الأول) سنة 1978 تحقيقا مدعما بالحجج، وكشفت فيه أن بومدين مات مسموما بسم «ثاليوم» الفتاك، فالرئيس قُتل ولم يمت متأثرا بمرضه العضال!

و لم تكف فايزة سعد بسط قلمها فى وفاة الرئيس الجزائرى، فنشرت فى 30 من مارس (آذار) سنة 1992 مقالا تمدد على صفحات كررت فيه المعلومات السابقة وزادت على ما كانت ذكرت وفنّدت، معلومات حصلت عليها من جهات إستخباراتية، تؤكد بأن الرئيس بومدين أُغتيل، ولم يمت موتا طبيعيا و أحدث التحقيق دويا كبيرا، وأثار جدلا، لم تستملحه جهات، كانت تريد طى الموضوعز  عرفت فايزة سعد أن تتسلل إلى مداخل السياسيين الجزائريين، وتحصل منهم على معلومات كثيرة حققت السبق الصحفى.

وقبل اغتياله بأشهر قليلة، أجرت فايزة سعد حديثا مع الرئيس محمد بوضياف وسبق أن أجرت حديثا مطولا مع الرئيس الشاذلى بن جديد وكان معها الصحفى عادل حمودة ونشر الحديث وقتها فى «روزاليوسف».

ولأول مرة فى الصحافة العربية والعالمية روزاليوسف تكشف:

التجسس السوفيتى ضد عبدالناصر

كان لفايزة سعد دور كبير من خلال تحقيقاتها ومصادرها فى كشف محاولات التجسس على عبدالناصر، وقالت فايزة سعد فى روزاليوسف إن سقوط الإتحاد السوفيتى كدولة.. لا يعنى أبدأ تهاوى دور مخابراته الرهيبة فى كل السنين الماضية، لقد نجحت وفشلت لكنها لعبت فى الأمرين دورا بالغ الخطورة فى العالم كله.

وإذا كانت ملفات التجسس السوفيتى تشهد الأن قراءة عالمية متجددة فى كل بقاع الدنيا، فإن «روزاليوسف» تكشف ولأول مرة فى الصحافة العربية والعالمية حقيقة دور جواسيس السوفييت على مصر..  وتحديدا على جمال عبدالناصر عدو الروس وصديقهم فى نفس الوقتّ!!

 العلاقة بين جمال عبدالناصر والاتحاد السوفيتى كانت دائما محل خلاف!!

البعض يراها تحالفا حتى النهاية وأخرون يرونها صداقة بين دول وغيرهم يعتقدون إنها كانت تحمل عداء مستترا ومصالح سياسية واضحة.

لكن المؤكد أن السوفييت لم يبلعوا كثيرا مما فعله عبدالناصر، وإنه هو الأخر لم يكن يطيق كثيرا من أفعالهم وسياستهم وقبل ذلك كله ماركسيتهم.

وتساءلت ماذا يريد السوفييت من محمد نجيب الذى كان قد عزل وقتها من رئاسة الجمهورية..وظل رهن الاحتجاز فترة طويلة من عمره!!!

وكشفت فايزة سعد من خلال التحقيق عن صورة كاملة وواضحة لشبكات التجسس التى شكلتها مخابرات السوفييت لمهمة واحدة هى التجسس على مصر..وعبدالناصر!!!

وقالت منذ 1952 وجواسيس السوفييت يعملون فى القاهرة ويحاولون الوصول إلى رأس عبدالناصر حتى عندما وثقت العلاقات وازدادت الأواصر لم يتوقف الجواسى عن العمل!!!

وفى 1958 كان السوفييت يتلقون أول طعنة من جمال عبدالناصر والتى جعلتهم يرفعون درجة الاستعداد.. ويشدون من حرارة التجسس عليه!!

لكن ماذا فعل عبدالناصر فى فبراير 1958؟

وأضافت لم تعلق الحكومة السوفيتية على الوحدة بين مصر وسوريا لكنها شعرت بجرح الطعنة قويا ونافذ!!

عبدالناصر يقضى على الحلم الشيوعي

وقالت فايزة سعد لقد كانت سوريا قبيل الوحدة مركزا مهما للنشاط الشيوعى وكانت الفوضى الحزبية وعدم الاستقرار السياسى قد وصلا إلى درجة مهدت للشيوعيين السوريين احتمالات السيطرة على الحكم لكن بقيام الوحدة ضعف مركز الشيوعيين وتهاوت قدراتهم وهاجرت زعمائهم. وقضى عبدالناصر على الحلم الشيوعى مبكرا، ثم لم يصمت.. بل كررها مرة أخرى وفى النهاية من العام نفسه.

ونشرت فايزة سعد بالوثائق محاولات تجسس وتجنيد المخابرات السوفيتية على القوات البحرية المصرية، ونجاح المخابرات العامة المصرية فى معرفة هذه العمليات قائلا لقد أقامت المخابرات السوفيتية علاقات مع موظفى هيئات مصرية مثل الاتحاد القومى والتى حاولت تجنيد أحد مسئوليه الذى كان يعمل سكرتيرا للاتحاد بالدرب الأحمر، وطلبت منه كشفا بأسماء كل أقسام الاتحاد القومى ومعلومات عن رجاله وأنصاره ومدى حب الناس لجمال عبدالناصر، مضيفة إن المخابرات السوفيتية انشغلت أيضا بأنباء ترددت لديها عن محاولة لاغتيال جمال عبدالناصر، وحاولت مع بعض الصحفيين والعاملين بأجهزة الدولة التحقق من أثرها على جمال عبدالناصر شخصيا.

ولكن المؤكد أيضا إن الخبراء الروس قد لعبوا دورا لا يقل أهمية عن المخابرات السوفيتية نفسها فى كشف كثير من الممعلومات والحقائق..بل التجسس المباشر على مصر..

كيف جرى ذلك..إنها تفاصيل مذهلة جديدة مازالت فى حوزة روزاليوسف!!

فايزة سعد تحصل على نسخة من رسالة أرسلها خالد محيى الدين للرئيس عبدالناصر بأن جى موليه يخطط للهجوم على مصر.

ووقعت بين يدى فايزة سعد نسخة من رسالة كان أرسلها خالد محيى الدين للرئيس عبدالناصر، فى سبتمبر (أيلول) 1956، أخبره فيها أنه وفقا لما أعلمه أحد أصدقائه فى الحزب الشيوعى الفرنسى، فإن جى موليه يخطط ويعُد العدّة لشنّ هجوم على مصر، بالإشتراك مع إسرائيل.

إلا أن عبدالناصر لم يعر هذا الامر إهتماما، واعتبره مجرد مخطط لحثّه على إجراء بعض التحركات الزائفة نحو الدولة العبرية، وأسقط عبدالناصر من حساباته تورط إسرائيل فى أى حرب ضد مصر، فقام بسحب حوالى 30 ألف جندى من منطقة سيناء، لتدعيم دفاعات القناة، والطرق الموصلة إلى الإسكندرية والمحروسة.

كان ما كشفته فايزة سعد ونشرها مضمون الرسالة، بعدما تبين أن «الريس» أخطأ، ولم يكن على صواب.

«انقلاب فى بلاط صاحبة الجلالة»

  كان لفايزة مؤلفات كثيرة، فصدر لها عن دار «الخيال» للنشر «البارود الضائع»و« 10 سنوات فى كواليس الأنظمة العربية» و«كتاب يحمل ثلاثة عناوين «اغتيال صحفى» و«عملية قتل صديق الرؤساء» و«أسرار الصحافة والمخابرات» والكتاب عن الصحفى اللبنانى سليم اللوزى، وقصة اغتياله وعلاقاته بالرؤساء وزعماء العالم.

  ولهذا الكتاب   قصة كما يقول مودى الحكيم بدأت لما زارتنى فايزة فى لندن، لتطلعنى عن رغبتها فى نشر ما استحصلت عليه من معلومات استخباراتية عن اغتيال صاحب «الحوادث»، وكانت فايزة تعرف علاقتى مع اللوزى بحكم تولى الشأن التقنى والطباعى للمجلة، وكانت لنا جلسات طويلة أجبتها فيها على الكثير من الأسئلة والاستفسارات واستكمالا لعملها، سعيت لها لمقابلة أميّة اللوزي التى حكت لها فى ثلاثة لقاءات شاركت فيها، عن زوجها وعلاقاته مع الزعماء العرب .

كما تعاونت فايزة سعد مع الكاتب الصحفى عادل حمودة فى تقديم حملات صحفية منها حملة «الصحافة» جُمعت فى كتاب صدر عن «روز اليوسف» بعنوان «انقلاب فى بلاط صاحبة الجلالة» 

اعتقال فايزة سعد فى سجون « الأردن»

تعرضت فايزة سعد للاعتقال فى سجون «الأردن» مع الزميل الكاتب الصحفى سعد زغلول فؤاد بعد انخراطهما فى سلك الكفاح تحت راية «منظمة التحرير الفلسطينية» وتعرضا لألوان التعذيب فى السجون الأردنية، سعد زغلول فؤاد لانضمامه إلى صفوف الفدائيين، وفايزة سعد كمناضلة تدافع عن القضية الفلسطينية.

لا تزال فايزة سعد..تسطر جزءا كبيرا من تاريخ روزاليوسف..الذى عاشت بين أروقته أكثر من 30 عاما.. حكايات نرويها للأجيال الجديدة من أبناء روزاليوسف.. الذين لم يحالفهم الحظ أن يلتقوا بهذه السيدة العظيمة التى قضت عمرها كله تناضل من أجل الوطن.