الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

زوجات الأنبياء "4".. تزوج من أختين وعاشوا سويًا وأصابت أبناءه الفتنة الكبرى يعقوب أو إسرائيل: أبو اليهود والنبى الأشهَر بينهم

لزوجات الأنبياء مكانة خاصة فى الأديان السماوية نظرا لثراء سيرتهن المعرفية فمنهن من شاركت زوجها الكفاح من أجل إبلاغ الرسالة فأدت الأمانة على أكمل وجه ومنهن من خانت عهد الزواج فتوعدها الله بعذاب عظيم.



 

هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، عليهم السلام، وقد أطلق عليه الله عز وجل لقب إسرائيل، وقد أنجب اثنى عشر وهم الأسباط والذى خرج منهم الأنبياء الكرام يوسف الصديق وموسى ويحيى وعيسى عليهم السلام. وهو النبى المُبتلى فى أبنائه والذى ذاق مرارة فقْد أحبّ أبنائه إليه لمدة سنين ثم لحقه ابنه الثانى، وفقَد بصره من البكاء عليهما وكانت مكافأة الله له على صبره فردهما إليه مع مُلك ومكانة عظيمة لأحدهما.

 سبب تسمية يعقوب بإسرائيل

هناك عدة روايات حول سبب إطلاق اسم «إسرائيل» على «يعقوب»، فالرواية الإسلامية تقول بأن اللفظ كُنية أطلقها الله على يعقوب ومعنى كلمة (إسرا) أى عبد أو صفى و(إيل) معناها الإله، أى أنه عبدالله أو صفى الله، وإذا استخدمنا صيغة المضارع يكون معناها (يجاهد مع الله أو يصارع مع الله).

أمّا الرواية اليهودية فى سفر التكوين بالتوراة (المُحرفة) الإصحاح 24-32 فتقول بأنه فى إحدى الليالى تجسّد الرب فى صورة إنسان فصارع يعقوب ودامت المعركة حتى طلوع الفجر وفاز يعقوب على الرب ولم يطلقه قبل أن يباركه ويبارك أبناءه ويجعل الأرض المقدسة لهم إلى قيام الساعة فأطلق عليه الرب اسم «إسرائيل» ومعناها باليهودية (مُصارع الرب)، وكما نرى فهو ازدراء للذات الإلهية ولا عجب فى ذلك فهى طبيعة اليهود.

 ذكر يعقوب بالقرآن الكريم 

ورد ذكر «يعقوب» عليه السلام فى القرآن ست عشرة مرّة فى سور يوسف ومريم وهود والأنبياء والعنكبوت و«ص» والبقرة وآل عمران والنساء، أمّا الاسم الآخر ليعقوب وهو «إسرائيل» فقد تم ذكره مرتين فى القرآن الكريم،الأولى فى سورة آل عمران والثانية فى سورة مريم.

 هروب يعقوب إلى بلاد الرافدين

وحسب الرواية اليهودية فقد هرب يعقوب من أرض كنعان بعد أن غش أخاه العيص أو عيصو كما يطلقون عليه فى التوراة وحصل على مباركة إسحاق بدلاً من العيص فتوعده الأخير بالقتل فأوصته أمُّه رفقة بالسفر إلى خاله (لابان بن ناهر) والإقامة معه فى بلدته «حران» بأرض الرافدين. وأوصى إسحاق يعقوب بأن يتزوج من هناك كما أوصاه إبراهيم من قبل، وكان لخاله ابنتان، «ليا» وهى الابنة الكبرى، وكانت ضعيفة العينين وقبيحة المنظر و«راحيل» الابنة الصغرى التى فاقت أختها جمالاً ونقاءً وذكاءً.

 خديعة الخال

وقد ذكر ابن كثير فى (البداية والنهاية).. أن يعقوب طلب الزواج من راحيل ابنة خاله الصغرى فوافق الخال بشرط أن يرعى يعقوب غنمه سبع سنين، فلما مضت المدة أقام لابان وليمة كبيرة وجمع الناس وزف إلى يعقوب ليلا ابنته الكبرى ليا. فلما أصبح يعقوب إذا هى «ليا»، فقال لخاله: لِمَ غدرت بى؟! وقد خطبت راحيل، فأجابه خاله (إنه ليس من عادتنا تزويج الصغرى قبل الكبرى، فإن أحببت أختها فاعمل سبع سنين أخرى وأزوجها لك، فعمل يعقوب سبع سنوات أخرى وتزوج براحيل، وهكذا جمع يعقوب أختين كزوجتين له وكان ذلك مقبولا فى ملتهم، وأصبح بعد ذلك فى شريعة التوراة. 

وكان «لابان» قد وهب لابنتيه جاريتين هما زلفى وبلهى وأنجبت «ليا» ليعقوب ستة أبناء ذكور وبنتًا واحدة، وهم: روبين ثم شمعون ثم لاوى ثم يهوذا وإيساخر وزبلون و«دينا»، فغارت عند ذلك راحيل «وكانت لم تحمل بعد» فوهبت ليعقوب جاريتها «بلهى» لينجب منها، وبالفعل ولدت له غلامين؛ الأول «دان» والثانى «نيفتالى»، وعندما شاهدت «ليا» ذلك وهبت جاريتها «زلفى» إلى يعقوب لينجب منها فولدت له غلامين؛ هما «جاد وأشير»، وهنا دعت «راحيل» الله تعالى وسألته أن يهب لها غلامًا من يعقوب فسمع الله نداءها فأنجبت يوسف، ومن بعده بنيامين وله قصة عند ولادته، وحينما وضعت «راحيل» ابنها الأول يوسف عليه السلام وكان يعقوب غائبًا نحو الشام فنزل عليه جبريل وقال يا يعقوب: إن الله تعالى وهبك ولدًا لم يُرزق مثله أحدًا من الناس، فذبح ألف رأس من الغنم قربانًا لله وشكرًا على هبة يوسف له وقام بتوزيعها على الفقراء والمساكين. هكذا أصبح ليعقوب عليه السلام اثنى عشر ابنًا وبنت واحدة. من زوجتين وجاريتين. 

ومكث يعقوب عشرين عامًا بأرض حران، وهو يرعى غنم خاله وأوحى له الله تعالى أن يعود إلى بلاد أبيه وقومه، ووعده بأن يكون معه، فطلب يعقوب من خاله لابان أن يرحل بأهله إلى أرض كنعان فوافق الخال ومنحه من الغنم ما سأل.فحمل أهله وماله، وقفل قاصدًا بلاده.

 خطة يعقوب لاسترضاء أخيه

وحسب الرواية التوراتية «عندما كان يعقوب فى طريقه إلى كنعان سمع من رُسله أن أخاه عيصو قادم إليه ومعه 400 رجل، فخاف يعقوب كثيرًا من انتقام أخيه منه، فقسّم يعقوب جيشه إلى نصفين لكى ينجو نصف الجيش على الأقل فى حالة هجوم عيصو على نصفه الآخر، ثم دعا يعقوب رب آبائه إبراهيم وإسحاق أن ينجيه من بطش أخيه عيصو، وقد جهز هدايا كثيرة لكى يستعطفه بها مكونة من 200 عنزة و20 تيسًا و200 نعجة و20 كبشًا و30 ناقة مرضعة وأولادها و40 بقرة و10 ثيران و20 اتانا و10 حمير، وأمر يعقوب أتباعه أن يقسّموا هداياه قطيعًا قطيعًا كل قطيع يقوده نفر من أتباعه وأن يجعلوا فسحة بين قطيع وقطيع وأمر كل نفر من أتباعه إذا صادفهم عيسو وسألهم أن يجيبوه بأنها هدايا من عبدك يعقوب إلى سيده عيصو وأن يقولوا له بأن عبدك يعقوب هو وراءنا يستعطف وجهك بهذه الهدية السائرة أمامه، وبعد أن أخذ يعقوب لقب «إسرائيل» بعد صراعه مع الرب، عبر الأرض التى سمّاها فَنُوئِيلَ وهو يعرج على فخده المصاب أثناء المعركة، فرفع عينيه ونظر فرأى عيصو أخاه مقبلاً إليه ومعه 400 رجل، فأمر زوجتيه ليئة وراحيل وجارتيه وأبناءه من كل واحدة منهن أن يصطفوا وراءه، فسجد يعقوب إلى الأرض سبع مرات حتى اقترب إلى أخيه، فركض إليه «عيصو» وعانقه وقبّله وبكيا، ثم تقدمت كل زوجة وجارية هى وأبناؤها وسجدت كل واحدة منهن لعيصو، والذى بادر بسؤال يعقوب عن جنوده الذين يحملون الهدايا فقال له يعقوب: «لأَجِدَ نِعْمَةً فِى عَيْنَيْ سَيِّدِى»، رأى عيصو أن الهدايا كثيرة فرفض أن يأخذها فألح عليه يعقوب حتى أخذها وأخبره أنه رأى وجهه مثل وجه الرب الذى صارعه وأراده أن يكون راضيًا عنه.

 وفاة راحيل 

ثم مَرّ يعقوب على أورشليم قرية شخيم، فنزل قبل القرية، واشترى مزرعة شخيم بن جمور بمائة نعجة، فضرب هنالك فسطاطه، وابتنى بيتا ثَمَّ مَذبحًا، فسماه إيل إله إسرائيل، وأمر الله ببنائه ليستعلن له فيه، وهو بيت المقدس اليوم الذى جدّده بعد ذلك سليمان بن داود عليهما السلام.

وقد حملت راحيل وهم فى بيت المقدس ولما آن أوان الوضع تعبت تعبًا شديدًا وماتت عقب ولاده بنيامين فدفنها يعقوب فى «إفرات»، وهى «بيت لحم» وجعل على قبرها كومًا من الحجارة والتى تعرف اليوم بقبر «راحيل» أو قبة «راحيل»، وهكذا رحلت حبيبة يعقوب وانتقل حبه لها إلى ابنيه منها وهما يوسف وبنيامين فاصبح لهما الأب والأم وهو ما خلق الضغينة والكراهية فى قلوب أبنائه الآخرين تجاههما.

ووصل يعقوب إلى قرية (حبرون) بأرض كنعان حيث كان يسكن إبراهيم عليه السلام، ليلتقى بأبيه إسحاق والذى أصابه المرض ومات عن مائة وثمانين سَنة، ودفنه ابناه العيص ويعقوب مع أبيه إبراهيم الخليل.

 معاناة يعقوب مع أبنائه 

واختبر الله يعقوبَ فى أبنائه؛ حيث تولدت الكراهية والضغينة فى قلوبهم تجاه يوسف وبنيامين وقد اكتسى وجه سيدنا يعقوب بالأسى وغادرته السعادة لأنه كان يعلم عن إخوة يوسف كراهيتهم له، وحقدهم عليه، لما يستأثر به هو وأخوه بنيامين من عطف أبيهما دونهما. وكثيرًا ما حاولوا أن يصرفوا أباهم عن هذا الأمر، لكن قلبه لم يطاوعه، فإحساس القلوب لا يملكه أحد.

وفى أحد الأيام جاء يوسف إلى أبيه يعقوب وقص عليه رؤيا سماوية وهى أنه يرى أحد عشر كوكبًا والشمس والقمر يسجدون له فعلم يعقوب بأنها بشارة النبوة لابنه يوسف وشعر بالخوف الشديد على حياته ونصحه بعدم قص رؤياه على أحد من إخوته أو زوجات أبيه حتى لا يصيبه شر منهم.

وكأن قلب يعقوب كان يرى ما تخبئه الأيام من أحداث جسيمة؛ حيث قرر إخوة يوسف التخلص منه فأستأذنوا من أبيهم أن يسمح ليوسف بالذهاب معهم إلى المرعى ليلعب وعندها شعر يعقوب بالخوف من تعرُّض حبيبه إلى الخطر فأقسَم الأشقاءُ على حماية يوسف من أى شر وأنهم سيعيدونه إليه سليمًا مرّة أخرى.

وساروا مسافة كبيرة وعندما اطمأنوا إلى ابتعادهم عن منزل أبيهم ألقوا بيوسف أرضًا وأوثقوه بالحبال وبدأ كل واحد منهم فى اقتراح خطة للتخلص منه ولم يسمعوا إلى توسلاته لهم بتركه حيًا، فمنهم من اقترح قتله ومن اقترح إلقاءه فى بئر عميقة واستقر رأيهم على الاقتراح الأخير ونزعوا قميصه وألقوه فى بئر مظلمة ليلقى مصيره المحتوم ثم ذبحوا شاة ونثروا دماءها فوق قميص يوسف حتى يقتنع أبوهم بأن ذئبًا قد افترس يوسف وهم يلعبون ولم يستطيعوا إنقاذه.

ولم تنطلِ الكذبة على يعقوب واستعان بالله أن يلهمه الصبر على عودة يوسف إليه؛ حيث قال الله عز وجل على لسان نبيه يعقوب (قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ).

ويكابد يعقوب ألمَ فراق يوسف لسنوات طويلة ثم يلحقه بنيامين حتى يمن الله عليه بجمع شمله مع أحبابه فى مصر.. وذكر أهل السِّيَر أن يعقوب عندما دخل مصر كان عمره مائة وثلاثين سَنة، وأقام بمصر سبع عشرة سَنة، ثم لحق بربه، وسنُّه مائة وسبعة وأربعون عامًا، فاستأذن يوسف عليه السلام ملك مصر فى الخروج مع أبيه يعقوب ليدفنه عند أهله بفلسطين، فأذن له، وتم دفن يعقوب عليه السلام ببلدة (حبرون) المسماة بالخليل اليوم، بجوار جدّه إبراهيم وأبيه إسحاق عليهما السلام.

وتنتهى قصة يعقوب لتبدأ قصة يوسف عليه السلام وهى ما سوف نتناوله فى الحلقة القادمة إن شاء الله.

المصادر: 

كتاب: «موسى عليه السلام»، للدكتور على الصلابى. 

كتاب: «القصص القرآنى»، سليمان الدقور.

كتاب: «زوجات الأنبياء وأمهات المؤمنيين لـ محمد على قطب.

كتاب: «المبعوثون إلى الأرض، قصص الأنبياء عليهم السلام» لـ د.أحمس حسن صبحى.